د. أحمد فايز العجارمة يكتب : لماذا نعيش في دولة !؟

{title}
نبأ الأردن -
سؤال أصل الدولة، أحد الأسئلة الفلسفية الكبرى في تاريخ الفكر السياسي، الذي حاول من خلاله الفلاسفة إكتشاف هذه الظاهرة الإنسانية التي كانت منجزاً قائماَ قبل ظهور الفلسفة، ذلك أنه وكما ذكرنا في افتتاح هذه السلسة من مقالات فلسفة الدولة، أن الفلاسفة لم يخترعوا الدولة بل وجدوها قائمة ثم حاولوا من بعد ذلك فهمها واكتشافها.
وعلى سؤال أصل الدولة قدم الفكر الفلسفي واحدة من أشهر نظرياته، وهي نظرية العقد الإجتماعي، التي تعود أصولها الأولى الى الفكر الفلسفي اليوناني والروماني، إذ وردت في كتابات أفلاطون وشيشرون أفكارٌ تأسيسية حول شكل من أشكال الإتفاق المتبادل بين الأفراد والسلطة.
وفي الفلسفة السياسية الحديثة تعد نظرية العقد الإجتماعي هي حجر الزاوية في الفكر الفلسفي، إذ انها تقدم إجابات حول أهم الأسئلة المتعلقة بالدولة، مثل أسئلة الأصل والشرعية للسلطة السياسية والحقوق الطبيعية وغيرها. وهي تقوم ببساطة على فرضية أن الأفراد يدخلون طوعاً في عقد مع السلطة السياسية يتنازلون بموجبه عن جزء من حريتهم مقابل الحصول على الأمن والحماية.
ويعد توماس هوبز ((1588-1679 المؤسس الحقيقي لنظرية العقد الإجتماعي في الفلسفة الحديثة، التي عرضها في كتابه الشهير ((ليفاثيان – او التنين))، فالناس بحسب هوبز كانوا يعيشون قبل الدولة مجموعة من الأفراد الأحرار المتساوين، يعيشون في حالة تسمى حالة الطبيعة (state of nature) وهي حالة من الفوضى العارمة التي تسيطر عليها الصراعات والعنف وهي أشبه ما تكون بـ((حرب الكل ضد الكل)) كما وصفها، ومن أجل الخروج من حالة الفوضى هذه، والحصول على الأمن الإجتماعي والسلم الأهلي والحفاظ على الحقوق، تنازل هؤلاء الأفراد الأحرار عن حريتهم إلى الحاكم مقابل الحصول على الحماية والأمن والإنتقال من حالة الفوضى (حالة الطبيعية أو حالة ما قبل الدولة)، الى حالة الإنتظام والأمن داخل الدولة التي تفرض الأمن وتحمي الحقوق.
فالأفراد بموجب هذا العقد الهوبزي بتنازلون عن حريتهم مرة واحدة وإلى الأبد، بحيث لا يستطيعون استردادها من الحاكم، وليس لهم في المقابل أي حق في مشاركة الحاكم سلطته المطلقة، فهوبز يعد بحق هو المنظر الأكبر للملكية المطلقة وسلطة الإستبداد. فالحاكم او الملك يجب أن يكون قوياً مهاب الجانب حتى يفرض الأمن والأمان.
ويقدم هويز مبرراً للإستبداد بأن البشر بطبيعتهم أنانيون وأشراراً، وإذا تُركوا على سجيتهم الأولى في حالة الطبيعة، ستدفعهم نوازع الشر الى افناء بعضهم البعض في حالة الفوضى التي وصفها كما قلنا بحرب الكل ضد الكل، لذلك كان العقد الاجتماعي ضروري لإنشاء سلطة مركزية قوية للحفاظ على النظام ومنع الفوضى. ونحن في دولنا العربية، قد شهدنا صدق إطروحات هوبز السياسية، خصوصاً فكرته حول حرب الكل ضد الكل في الدول التي انهارت فيها السلطة المركزية إبان ما سمي بالربيع العربي.
وبذلك تكون نظرية العقد الإجتماعي قد قدمت ولأول مرة في تاريخ الفكر الفلسفي جواباً عن مسألة أصل الدولة وشرعية السلطة من داخل التجربة الإنسانية نفسها، بعيداً عن التفسيرات الإسطورية التي كانت سائدة في الفكر الفلسفي القديم حول الحق الألهي للحاكم، كما كان لهذه النظرية الفضل في صياغة مفهوم الإرادة العامة للأفراد الأحرار والمتساوين الذين دخلوا في هذا العقد طوعاً متنازلين للحاكم عن حريتهم مقابل الأمن وليس لأنه ممثل للألهة على الأرض. ولنظرية العقد الإجتماعي المزيد من التفاصيل والجوانب المهمة التي سنتاولها تباعاً مع أبرز مفكريها في المقالات القادمة.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير