د. أحمد فايز العجارمة يكتب : الحرب أم الأشياء ..!
نبأ الأردن -
يقول هيرقليطس فيلسوف الصيرورة والنار(540-475 ق.م): "الحرب أم الاشياء!" بمعنى أن الحرب هي اصل جميع الأشياء وهي المحرك الأساسي للتاريخ والتقدم البشري، والباعث لكل التقلبات التي حصلت على مر العصور. فالتاريخ البشري وما حصل فيه من تقدم ومنجزات وتقلبات أتت كلها نتيجة الحرب والصراع، وهو المعنى الذي عبر عنه فيلسوف التاريخ الكبير هيغل (1770-1831) حين أكد بأن الحرب مسألة طبيعية وباعثة على التجديد الدائم.
والفلسفة السياسية الحديثة ليست استثناءً من هذا القانون، فقد كانت الحرب باعثاً أساسياً من بواعثها، فكل من كتب في الفلسفة السياسية الحديثة كان قد تأثر بشكل أو بآخر بفكرة الحرب سواء كانت حرب داخلية أو خارجية.
ولإننا كنا قد بدأنا في المقال السابق الحديث عن فلسفة ميكافيللي فلا من بد من الإشارة إلى انها قد تأثرت بشدة بفكرة الحرب وظروف الحرب التي كانت سائدة آنذاك. حيث عاش ميكافيللي في فترة شديدة الاضطراب السياسي والاجتماعي في أوروبا، وخاصة في إيطاليا، التي كانت منقسمة إلى عدد كبير من الدويلات المستقلة.
وشهدت هذه الفترة صراعات داخلية وغزوات الخارجية، مما أثر بشكل مباشر على فلسفته السياسية وكانت واحدة من بواعثها الأساسية، ففي كتابه الآخر –والأقل شهرة من كتاب الأمير- والمسمى "فن الحرب"، يرى ميكافيللي بأن الحرب والسياسة مترابطتان بشدة، وأن أي حاكم حكيم يجب أن يكون على دراية بفنون الحرب، لأنها جزء لا يتجزأ من استقرار الدولة وقوتها، كما يرى بأن امتلاك جيش قوي يعد أمر في غاية الأهمية ليس فقط للحروب، بل هو عامل رئيسي لردع الأعداء والحفاظ على السلام.
ولإن كان الإستعداد للحرب هو أحد بواعث فلسفة ميكافيللي، فإن تجنب الحرب (خصوصاً الداخلية منها) كان هو الباعث الأساسي لفلسفة العقد الإجتماعي التي تقول أطروحتها الأساسية أن السلطة السياسية ضرورية لنقل المجتمع من حالة الطبيعة (حالة الصراع والحروب والفوضى –حرب الكل ضد الكل-) إلى حالة السلام والإستقرار المجتمعي، هذه الإطروحة التي تحققت عياناً في البلدان التي شهدت ما يسمى بـ"ثورات الربيع العربي" إذ ما إن سقطت السلطة السياسية حتى دخلت تلك المجتمعات في حالة من الصراعات والحروب الأهلية المذهبية والطائفية وحتى العرقية والقبلية. وستكون فلسفة العقد الإجتماعي بتفصيلاتها هي موضوع مقالاتنا القادمة من هذه السلسلة.