د. ماجد الخواجا يكتب: شركات توظيف الأموال عادت من جديد
نبأ الأردن -
عانى الشعب عبر سنوات طويلة من طرق احتيالية استنزفت مقدرات آلاف المواطنين في قضايا عنوانها الاستثمار أو توظيف الأموال والتي كانت تعلن عن أرباح خيالية تصل نسبتها إلى 25% شهرياً على المبالغ المودعة، أي أنه يفترض أن من يودع 10 آلاف دينار فهو يجني 2000 دينار شهرياً و أكثر من عشر أضعاف المبلغ المودع خلال السنة الواحدة.
كانت البدايات في عام 2005 بظهور ما سمي بجمع الخبز وبيعه لشركة تأسست لهذه الغاية حينها، حيث توافد جموع المواطنين في الدخول بمشروع الشركة والتي كانت غطاء لابتلاع أموال المودعين الذين يحملون اسم مستثمرين ماليين، وسرعان ما انكشف طابق هذه الجمعية الشركة عندما بدأ التراجع من طرف الجمعية في عدم دفع أية مستحقات للمستثمرين، وأغلقت أبوابها بعد أن نهبت ما استطاعت نهبه لتصبح قضية من قضايا المحاكم حينها.
ويبدو أن تلك البداية كانت الحافز لتوالد عشرات الشركات والمحلات التي حملت اسم « شركات البورصة « وازدهرت مع عام 2008، وقدمت نفسها على أنها شركات تتداول عبر البورصة العالمية، وتهافت المواطنون ليبيعوا أو يستدينوا أو يحصلوا على قرض بنكي بفوائده المعروفة ليضعه في احدى هذه الشركات الوهمية. وظهر ما يدعى بالتسويق الشبكي Network Marketing)) القائم على تسويق المنتجات أو الخدمات والمبني على التسويق التواصلي حيث يقوم المستهلك بدعوة مستهلكين آخرين لشراء المنتج (سلعة) في مقابل عمولة، وهو ما قامت به شركة جمع الخبز بأنها كانت تطلب من كل عميل استقطاب عملاء جدد ليحصل على عمولات جلبهم، وهو أسلوب يجعل من هم في قمة الهرم الشبكي يجنون ويحصدون أكبر نسبة من المكاسب دون بذل أي مجهود غير الاحتيال على الجمهور، فيتم استغفال الغالبية الذين يشكلون قاعدة الهرم الشبكي، لكنهم يواصلون العمل على امل تحصيل عائد، وعند النقطة الحرجة وهي التي تتساوى فيها العوائد مع المدفوعات، يتبخر من هم في قمة الشبكة بعد أن يكونوا قد حصدوا مبالغ كبيرة جداً، ولتبدأ القضايا من المستغفلين تعج في أروقة المحاكم. حملات تغذّت على مفردات ألصقتها بهذه الصناعة لا سند لها من قبيل «منتجات تافهة – أرباح وهمية – دخل بلا عمل – إشترِ وسوّق فقد تربح -، كل ما عليك هو أن تقنع اثنين يقنع كل منهما اثنين وستتدفق الأموال إلى جيبك» وكأنها إما جريمة نصب مكتملة الأركان أو لعبة الحظ وكروت اليانصيب.
يعتبر التسويق الشبكي في العالم مجالاً واسعاً ومهماً، فهو يستند إلى أساسيات ثلاثة: إنشاء قائمة عملاء – توظيف شركاء – تدريب وإدارة فريق العمل، التسويق الشبكي (البيع المباشر) هو الطريقة التي تحقق أفضل نتيجة بأقل تكلفة، لأنها باستخدام هذا النظام لا تهدر أموالاً في عمليات التسويق والمبيعات ولا تخاطر بأجور موظفين لا يحققون نتائج لأنها لا تدفع الأجور إلا عند إتمام البيع، بالإضافة إلى اعتماد فكرة الانتشار على التأثير الكبير للتوصية الشفهية في مقابل وسائل التسويق التقليدية. أما بالنسبة للأفراد فإن العمل ضمن هذه المنظومة باستخدام آلياتها الصحيحة يضمن تحقيق كل خصائص العمل المطلوبة في الوظيفة (دخل غير محدود – مرونة في ساعات العمل – حوافز مرتبطة بالأداء – مجال خصب للتعلم – تدريب من قِبَل أصحاب الخبرة – شبكة علاقات واسعة – مناخ إيجابي بلا منغصات.
عندنا تم استيراد هذا الفكر التسويقي الحقيقي لكن بطريقة احتيالية، فلا توجد سلعة حقيقية ذات قيمة، ولا توجد ضمانات، والهدف الوحيد يتمثل في استقطاب أكبر عدد من الجمهور المستغفل الذي عليه شراء سلعة لا قيمة لها، طمعاً في دخل سهل مجاني لاحقاً، وعند لاحقاً ينتهي كل شيء لأن لاحقا لن يجيء.
مع تطور مواقع التواصل، هناك من استغل جشع الناس وحاجتهم وفقرهم، فأنشأ مجرد صفحة على الشبكة، وأصبح لديه ملايين المتابعين، وبدأ حكايته أنه يقدم منحا وتبرعات للفقراء، فكان تدافع الناس وإقبالهم على صفحته بشكل لا يمكن تصوّره، وتطورت الحالة عند هذا الشخص ليزعم أنه صاحب مجموعات من الشركات العاملة في كافة المجالات الاقتصادية، إلى أن أعلن عن نفسه كطرف مضارب يقوم باستثمار الأموال المودعة لديه، وليس هذا فقط بل يزيّن صفحته واعلاناته بفتوى عامة عن المضاربة، لكنه يقدمها كفتوى خاصة لما يقوم به من عمل. طبعاً هذا الشخص يزعم أن شركاته كلها خارج الأردن بذريعة الاستثمار، فلا تجد له اسما تجارياً، أي أن كل ما يتم إيداعه لدى هذا الشخص لا يدخل ضمن قطاع الأعمال الأردنية ولا يتم اقتطاع أية ضرائب ولا توجد أدنى رقابة على ممارساته. ولنا عودة.