د.حسن براري يكتب : معضلة حماس وماذا يمكن أن تعمل لانقاذ أرواح الفلسطينيين؟

نبأ الأردن -
في تصريحٍ لا يخلو من الصراحة الباردة التي تكاد تشبه قسوة الشتاء في الصحراء، خرج الوزير الإسرائيلي سموتريتش ليؤكد أن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس ليسوا أولوية بالنسبة للحكومة الإسرائيلية. قد تكون عبارة عادية بالنسبة للمراقبين، لكنها من الوضوح ما يكفي لإفساد أي رهان فلسطيني على الرأي العام الإسرائيلي أو حتى على الإنسانية كعنصرٍ أساسي في اللعبة السياسية.
وفي ذات الوقت، تأتي تسريبات عن عرضٍ جديد من حركة حماس، تتعهد فيه بالخروج من السلطة وإعادة كافة الرهائن مقابل إنهاء الحرب. عرض من شأنه، وفق أي منطق عقلاني، أن يدشن مسارا جديدا، لكنه قوبل برفضٍ صارخ من الجانب الإسرائيلي وهنا يصبح تصريح سموتريتش أشبه بشهادة ميلاد لحقيقة لا يمكن تجاهلها: الرهائن، بورقتهم الأخلاقية والسياسية، لا تزن شيئًا أمام الأجندات الإسرائيلية الحالية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت ورقة الرهائن بلا جدوى، فماذا تبقى لحماس؟
على الرغم من الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها الكيان الفاشي، لم تكتسب حركة الاحتجاج زخمًا يشكل كتلة حرجة يمكن أن تسقط حكومة نتنياهو، وزاد من الطين بلة عودة بن غفير للحكومة وانضمام جدعون ساعر مما عزز من تماسك الائتلاف الحكومي. صحيح أن الحرب لم تعد تحظى بأجماع شعبي لكنها تتمتع بتأييد سياسي عال وثمة فرق. أما الرأي العام الدولي فحدث ولا حرج، فهو يتأرجح بين تجاهل صريح واستنكار خجول في حين أن التشظي ما زال السمة الطاغية على الموقف العربي الرسمي.
في ظل هذه العزلة الإقليمية والخذلان الدولي، تبدو حماس وكأنها تقود مركبًا يواجه عاصفة دون أشرعة. فمع استشهاد أكثر من ألف فلسطيني مقابل قتيل إسرائيلي واحد منذ عودة الحرب، يتساءل المرء: ما الثمن المقبول؟ هل الاستمرار في الحرب يبرر هذا النزيف غير المتكافئ؟ وهل هناك أفق سياسي أو استراتيجي يبرر هذه التضحيات؟ فحماس تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى وقفة جادة، ليس فقط لإعادة تقييم جدوى الاحتفاظ بالرهان على الرأي العام الإسرائيلي، بل لتحديد خارطة طريق جديدة للمواجهة. قد يكون الوقت قد حان لنهجٍ يتخطى الشعارات التقليدية ويعيد ترتيب الأولويات، بحيث يكون حفظ حياة الفلسطينيين أولوية لا يمكن التنازل عنها، وبخاصة بعد أن تكشف لنا جميعا أن سلاح حماس غير قادر على حماية أرواح الفلسطينيين.
ربما يكمن الحل في السعي نحو هدنة طويلة الأمد تضمن الحد الأدنى من الكرامة والنجاة لشعب غزة. وإذا كان الثمن هو التخلي عن الحكم، فقد يكون هذا الخيار أقل كلفةً بكثير من الاستمرار في رهانات لا تبدو أنها تحمل في طياتها سوى المزيد من الألم والدماء. والراهن أن القيادات الحمساوية بجناحيها الإخواني والإيراني تفهم ذلك جيدا وتظهر ميّلا للتخلي عن الحكم مقابل انهاء الحرب. هل تنجح حماس في ذلك، وبأي ثمن؟ هل يمكن للنظام العربي الرسمي دفع هذه المعادلة قدما؟ هذه أسئلة لا أستطيع الإجابة عليها نظرا لغياب شريك إسرائيلي يمكن أن يقبل بشروط حماس لتسليم الرهائن وانهاء الحرب.