سهم العبادي يكتب :"حلمت بالمايك..."

نبأ الأردن -
ليلة البارحة، غفوت على صوت جلسة نيابية مكررة، لم أعد أفرّق فيها بين النقاش والتنفيس. وما إن أغلقت عيني حتى وجدت نفسي في قاعة البرلمان… لكن القاعة كانت غريبة، خالية من البشر، والمقاعد تهتزّ من التعب، والهواء مشبع برائحة تصريحات قديمة.
وفجأة، تحرك المايك.
نعم، المايك تحرك!
نهض من على الطاولة، تمدد ظهره كمن خرج لتوّه من زنزانة، التفت ناحيتي وقال:
"أنت من الخارج؟ صحفي؟ مواطن؟ ناصح؟ مش مهم… بس اسمعني قبل ما أرجع للسجن!"
قلت له بدهشة: "سجن؟! أنت مايك، قطعة حديد!"
فردّ بانكسار: "أنا شاهد على وطن يتكلم… لكن لا أحد ينصت. كل ما يُقال من فوقي لا يشبهني… لا يشبه حتى صوت أم تصرخ في الطابور ولا شاب مكسور في الجامعة، أنا بس ناقل حكي، بس الحكي صار مؤذٍ… صار يطعن فيي قبل ما يوصل للناس."
حكّ جبينه المعدني وقال:
"تدري؟ صار عندي فوبيا من كلمة (سعادة)، كل ما أسمعها أعرف إنو في رفشة جاية و"اجفل" . صاروا النواب ينهوا مداخلاتهم برفشي، مش لأني ما نقلت صوتهم، بل لأني نقلته كما هو… بلا معنى، بلا مضمون، بلا حياة!"
وسكت قليلاً، ثم انفجر فيّ:
"بتعرف شو؟ أنا زهقت! زهقت أحمل خطابات مش لإصلاح الوطن، بل لتلميع الذات، زهقت أكون شاهد زور بصوت واضح. صرت أخجل من صوتي… صوتي اللي كان لازم يوصل همّ الناس، صار يوصل همّ الكراسي!"
قلت له: "طيب ليه ما تتمرد؟ ليه ما تفصل حالك؟"
فردّ بضحكة موجوعة:
"لأني مربوط… مش بس بالسلك، مربوط بوطن ومجبور أسكت!"
ثم سكت، نظر نحوي للمرة الأخيرة وقال:
"إذا صحيت من نومك، واكتشفت إنك سمعتني… اكتب عني، يمكن حدا يفهمني، يمكن حد يفك رفشة الغضب عني."
وصحيت…
وما زال صوته في أذني، يرفرف كـ"مايك" مجروح…
رفشوه لأنهم ما قدروا يرفشوا الحقيقة.
سهم محمد العبادي
#سعادتك