عبدالله بني عيسى يكتب : خسارة "ردع الغموض"
نبأ الأردن -
قبل 7 اكتوبر كانت اسرائيل تتحاشى المواجهة المباشرة مع حماس، لأنها لا تريد دفع أثمان باهظة في سبيل قطاع قال اسحق رابين فيه يوماً: "أتمنّى أن أستيقظ يوما من النّوم فأرى غزّة و قد ابتلعها البحر". لهذه الدرجة كان القطاع يثقل على اسرائيل. فاستفادت غزة من هذا الردع الاستراتيجي في تحاشي الأسوأ على الدوام، على الرغم من المواجهات التي بقيت محسوبة عسكرياً.
بعد 7 اكتوبر تغير الحال وتغيرت قواعد اللعبة، ما أدى إلى تصعيد عنيف وغير مسبوق وزال هذا الحاجز النفسي، وأخرجت اسرائيل أكثر ما لديها من بشاعة وإجرام وقتل وسحق وإبادة. وعلى مدار عام كامل ظلت العصابة المجرمة في تل أبيب تختبر بشكل رئيس استجابة الداخل الاسرائيلي مع الحرب لاسيما القدرة على تحمل كلفة الصواريخ الحمساوية وعمليات الإجلاء المؤقتة والخسائر الاقتصادية، وبصورة أقل ردود الفعل الدولية. وفي كل مرة كانت تنكشف فيها قدرات حماس القصوى أمام البطش الاسرائيلي، مع تواضع ردود الفعل الدولية، وإظهار المجتمع الاسرائيلي مرونة في تقبل استمرار الحرب لمدة أطول، كان المزيد من الانكشاف الاستراتيجي لحماس يغري بالاستمرار بالقتال حتى النهاية، بل وتوسيع أهدافه يوماً بعد آخر.
الأمر ذاته كان يحصل مع حزب الله في لبنان، ولعل خشية اسرائيل من مواجهة حزب الله المدعوم إيرانياً كانت اكبر بكثير من خشيتها مواجهة حماس. لكن نجاحها الكبير في موجة الصدمة والترويع بعمليات البيجر وأجهزة اللاسيلكي ثم اغتيال القيادات الكبرى المؤثرة، كشف مقدار ضعف الحزب الذي اعتمد طويلاً على ما يمكن تسميته بـ "ردع الغموض" الذي جعل اسرائيل تتحاشى مواجهته طويلاً. خصوصاً ان المعلومات الاستخبارية الاسرائيلية على قوتها، تبقي هامشاً للخطأ كفيل بامتلاك حزب الله قوة ردع أمام اسرائيل.
اسرائيل كذلك اختبرت بعد 7 اكتوبر أقصى ما لدى ايران من قوة عسكرية وحسابات سياسية داخلية وعالمية، وباتت تعرف مقدار ردود أفعالها الظاهرة والكامنة، وتعرف في المقابل أيضاً أن بإمكانها تحمل كفلة مواجهات أخرى محتملة.
بعد 7 اكتوبر اختبرت اسرائيل أيضاً خصوصية الوضع الإقليمي، وهشاشة النظام الدولي، فانكشف أقصى ما لدى روسيا والصين وتركيا، خصوصاً بعدما نجحت في تسويق روايتها للعالم.
هذا الانكشاف الاستراتيجي الخطير أمام اسرائيل من أسوأ خسائرنا في هذه المنطقة بعد 7 اكتوبر. كان ثمة قوى ردع كامنة وحواجز نفسية وتردد خلقه الغموض الذي يلف القوى الفاعلة في الميدان، وحسابات خاصة بمواقف الإقليم والعالم، كله أصبح مكشوفاً إلى الحد الذي يمكننا أن نتوقع الأسوأ في قادم الأيام.