د.تيسير أبو عاصي يكتب: ( زفة عريس)

نبأ الأردن -
كنا نسمع في حكايا الجدات وقصص البطولة التي تُرددُ صداها أركانُ المضافات، تستنهض الهمم وإعادة مشهد بريق السيوف وصهيل الخيل وغبار الصولات وصوت سنابك الخيل، تأخذنا إلى المعامع التي باتت في حضن التاريخ، لم يبقَ منها سوى مرتبتها على رفوف المجد.
شكرًا غزة،
تحدَّثَت بيوتُ الشَّعر عمَّن كُنَّ (يمسحن الدمع ثم يزغردنَ) وزغاريد زفة الشهيد، في رسم مشاعر ماجدات الكبرياء والكرامة، لكننا ها هنا اليوم قد أكرم الله جيلنا بأن أبقاه كي يشهد ونشهد معه مآثر غزة التي زرعت في كبد الزمن وفي سفر الكرامة وفي عقر الأعداء مشاهدَ تنتصب لها القامات، وترتفع بها الهامات، وتذلل العقبات وتشق الدروب.
وها أنت تأخذين بيد أرتال الشهداء إلى سدة الفخر والبطولات ..
وهذه الأم الثكلى التي تناشد:
"هَلِّي يحب ابني لا يبكي عليه، ابني شهيد، نحمدك ونشكرك يا الله"
شكرًا غزة،
التي أزلتِ عن الكرامة الغبار والعفن فعادت تنبض بعد أن سكنت عالم الموات، فلقد أخذت بيدها من قائمة الخنوع إلى قوائم الرجال والبطولات والفداء ..
شكرًا غزة،
فلقد جسَّدتِ التضحيات والتزاحم في حيز الذاكرة الجمعية إلى واقع نلمسه حاضرًا في فجر أيامنا وأماسيها ..
شكرًا غزة،
فلقد أعدتِ صياغة الرجولة حين عزَّت إلا في بازار العنتريات المثلومة والاستقواءات البينية المثقوبة.
شكرًا غزة،
لقد لقنتِنا دروس الكفاح والنضال في زمن البكاء والقصائد العرمرمية والنزوح واللجوء وأزقة المخيم ..
شكرًا غزة،
فلقد شددنا الرحال لنناضل بأقلامنا على حدود الأفق، ونجتر أيام العرب ونقارع عدوًا مقابل البحر أمام طارق بن زياد على شطآن الأندلس، وإلى عواصم التاريخ وبلادها؛ لنزرع ربيعًا تلو ربيع لا يخضر ولا يزهر ..
شكرًا غزة،
فقد استفقنا على بطولاتك بتوقيت وتأريخ ورأس سنة جديدة أولها قد بدأ في غزة، وتعلمنا من جديد أن فلسطين على مقربة منا على مسافة العشق وعلى حدود البصر والبصيرة.