محمد الجبور يكتب:العدل رسالة السماء لاستقامة الأرض
نبأ الأردن -
بقلم د المخرج محمد الجبور
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾، هذه الآية الكريمة تختصر ميزان الحياة المستقيمة في كلمة واحدة وهي العدل. فالعدل هو الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات، والركيزة التي تضمن الاستقرار والازدهار.
فمعنى العدل كما جاء في اللغة، هو ضد الجور، ويعني الإنصاف والتسوية بين الأمور.
وفي الحكم، هو أن يُجازى الإنسان على الحسنة بالحسنة وعلى السيئة بما تستحق.
أما في اصطلاحا، فهو أن يعطي المرء من نفسه ما عليه، وينال ما له، وأن يسير على طريق الحق دون ميل أو انحراف. فكما قيل: هو وضع الأمور في مواضعها الصحيحة، في أوقاتها المناسبة، بغير إفراط أو تفريط.
والعدل في حياة الإنسان والمجتمع أسلوب حياة لا يقتصر على المحاكم أو النصوص، وهو يعبر عن الإنصاف والمساواة في المعاملة دون تمييز أو تحيز. حين يُسنّ القانون على أساس العدالة، ويُطبّق بحزم على الجميع، تزدهر القيم الإنسانية وتزول أسباب الظلم والعنصرية.
يتجلى العدل في مختلف مجالات الحياة في الرعاية الصحية والتعليم والعمل، في توزيع الفرص، وفي حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لجميع الأفراد على اختلاف أجناسهم وأعراقهم.
شغل مفهوم العدل العلماء فعرفوا مفهوم العدل بتعريفات متعددة، منها ما قاله عبدالله بن أحمد النسفي: العدل هو التسوية في الحقوق بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه.
وقال علي بن محمد الخازن: العدل هو المساواة في المكافأة، فإن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًّا فشرّ.
أما البيضاوي ففسّر قوله تعالى "إن الله يأمر بالعدل” بأن المقصود هو التوسط في الاعتقاد والعمل والأخلاق، أي أن يكون الإنسان متوازنًا لا إفراط فيه ولا تفريط، فذلك هو العدل الحقيقي.
اما الفلاسف لم يكونوا بعيدين عن هذا المفهوم؛ فقد رأى أفلاطون أن العدل يتحقق عندما يلتزم كل إنسان بما يخصه دون أن يتعدى إلى شؤون غيره، أي أن يؤدي دوره في المجتمع بإتقان دون تجاوز.
اما العدل في الشريعة هو وضع الأمور في مواضعها التي أمر الله بها، وهو الموازنة بين الحقوق والواجبات دون ميل أو ظلم.
فالعدل في الإسلام قيمة ربانية وسلوك يومي، يطبّق على النفس أولًا قبل أن يُطلب من الآخرين.
لكن كثيرًا ما يُخلط بين العدل والمساواة، وهما وإن كانا متقاربين في الغاية، إلا أنهما يختلفان في المعنى.
فـالمساواة هي النتيجة التي يسعى إليها العدل، وهي تسوية الناس في الحقوق والفرص حين تتساوى ظروفهم.
أما العدل فهو أوسع، لأنه لا يكتفي بالتسوية، بل يراعي الفروق الفردية ليعطي كل ذي حق حقه كما يستحق. فالمساواة قد تكون مطلقة أو نسبية، بينما العدل واجب دائم لا يرتبط بزمان أو مكان، لأنه قاعدة أخلاقية وإنسانية مطلقة.
فالعدل ليس مجرد قيمة مثالية، بل هو مفتاح الحياة الكريمة، وميزان الله في الأرض.
به تستقيم القلوب قبل القوانين، وتزدهر المجتمعات قبل الأنظمة. وهو ايضا النور الذي يبدد ظلام الظلم، وهو الطريق الأقصر نحو إنسانيةٍ يسودها السلام والكرامة.

























