وائل منسي يكتب : عن الزرقاء

{title}
نبأ الأردن -
نتحدث اليوم عن مدينة الزرقاء الأردنية التي لم تأخذ حقها من التأريخ.
يعود أول استيطان بشري في المدينة إلى الألف الرابع قبل الميلاد. إلا أن المدينة قد فقدت أهميتها حتى إعادة استيطانها في بداية القرن العشرين من قبل المهاجرين الشيشان الآتين من القوقاز، وتحديداً عام 1902، حيث نزحوا من الحروب بين الإمبراطوريات العثمانية والروسية، واستقروا على طول نهر الزرقاء. تم بعد ذلك بناء محطة على الخط الحديدي الحجازي في المستوطنة الجديدة، وتحولت هذه المحطة إلى مركز مهم. في 1929 أصدرت الحكومة الأردنية الجديدة مرسوماً لتأسيس أول مجلس بلدي لمدينة الزرقاء. بعد تشكيل قوة حدود شرق الأردن في عام 1926، تم بناء قواعد عسكرية في المدينة من قبل الجيش البريطاني. أصبحت المدينة في وقت لاحق تُعرف باسم "المدينة العسكرية"، وكانت مقر الجيش العربي سابقا. تتميز الزرقاء بموقعها الجغرافي المتوسط بين مدن المملكة وعلى شبكة مواصلات دولية تربط الأردن بالدول المجاورة، وتمر من خلالها سكة حديد الحجاز التي تأسست عام 1900.
سميت الزرقاء بهذا الاسم نسبة إلى نهر الزرقاء الذي هو ثالث أكبر مجرى مائي في جنوب بلاد الشام بعد نهر الأردن ونهر اليرموك. وتعود تسميته نسبة للون مياه النهر الزرقاء حيث أن الزرقاء كلمة عربية، ويرى بعض الباحثين أن "الزرقاء" هي كلمة أكدية؛ والأكاديون هم عرب ساميون قدماء أصلهم من شمال الجزيرة العربية، هاجروا إلى بلاد الرافدين وأسسوا دولة فيها، وعندما أرادوا التوسع، قاموا باجتياح بلاد الشام. وتتكون كلمة الزرقاء في اللغة الأكادية من مقطعين هما: زار وتعني مياه وكي وتعني منطقة. وقد أطلقوها على النهر الكبير الذي كان يطلق عليه اسم "النهر العظيم" أو "نهر التماسيح"، فأخذت الزرقاء
هذا الاسم من كلمتي (زار ـ كي) من اللغة الأكادية، والتي تعني "منطقة مياه"
 للزرقاء تاريخ عريق كما يدل أصل تسميتها، فهي منطقة سكنية منذ أعوام عدة قبل الميلاد، إذ سكنت منطقتها شعوب عدة لنهرها ومياهها في تلك الحقب، مما جعلها مطمعاً للكثيرين. وأشهر ذكر لها كان في ما عرف برسائل تل العمارنة حيث يستنجد حكام المنطقة بفرعون مصر أخناتون، دون أن ينتبه لها لحروبه الداخلية. وقد كشف فريق من جامعة روما سابيينزا الإيطالية عن مدينة ضمن خربة البتراوي في حي معصوم بالزرقاء تعود للعصر البرونزي القديم (4 آلاف عام قبل الميلاد). حيث تبلغ مساحتها 20 دونماً. كما تم الكشف عن عدد من المنازل والأدوات واللقى والفخاريات والفؤوس النحاسية وقوالب الصب النحاسية والأدوات النحاسية المختلفة.
 أسس العمونيون دولتهم حوالي سنة 1250 ق م وعاشوا حياة البداوة وكونوا دولة قوية امتدت حدودها من الموجب جنوباً إلى سيل الزرقاء.
فقدت المدينة أهميتها حتى إعادة استيطانها في بداية القرن العشرين من قبل المهاجرين الشيشان الآتين من القوقاز عام 1902حيث استقروا على طول نهر الزرقاء. تم بعد ذلك بناء محطة على الخط الحديدي الحجازي في المستوطنة الجديدة، وتحولت هذه المحطة إلى مركز مهم. في 1929 أصدرت الحكومة الأردنية الجديدة مرسوما لتأسيس أول مجلس بلدي لمدينة الزرقاء.
تؤكد كتابات الرحالة مثل بتلر ودوتي على وجود حياة قروية مستقرة في منطقة الزرقاء خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي مرتبطة بسيل الزرقاء، ويؤكد الباحثون أن قبائل بني حسن كانت تسكن المنطقة خلال القرن التاسع عشر،  إضافة إلى جود قبيلة بني صخر بمحاذاة المناطق الصحراوية للزرقاء، وتمتد أرض بني حسن من الزرقاء ومغاربها حتى شرق جرش إلى المفرق، وتضم مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، وتحاذي سيل الزرقاء، إضافة إلى عشيرة الدعجة في منطقة جنوب الرصيفة، مع وجود لعائلات شركسية سكنت منطقة مزارع الرصيفة مثل: قوشحة وقمق، ابتداء من العام 1878.
ثم جاءت هجرة عام 1948 فاستقبلت مدينة الزرقاء عددا كبيرا من الفلسطينيين وسكنوا في منطقة مخيم الزرقاء والسخنة، ثم هجرة عام 1967 ليتغير واقع الزرقاء السكاني وسكنوا مدينة الزرقاء نفسها والرصيفة ومخيم حطين، فقد كان لقدوم الفلسطيين الاثر البالغ في التطور السكاني، فقد أحدثت هذه الهجرات المتتالية عبر تاريخ المدينة تنوعا ثقافيا واجتماعيا قل نظيره في مدن أردنية أخرى.
برزت الزرقاء خلال الفترة الأموية بسبب موقعها على طريق قوافل الحج التي كانت تمر بها متجهة إلى الحجاز. وقد أطلق أهل مكة الماريين بقوافلهم التجارية في رحلة الصيف في الشام اسم مسبعة الزرقاء لكثرة ما كان يوجد في غاباته من وحوش كاسرة مثل السباع والضباع والأسود.
إهتم بني أمية بالزرقاء في سياق إهتمامهم بالأردن لقربه من عاصمة خلافتهم، دمشق. فأقاموا القصور والقلاع في البادية الأردنية حيث كانوا ينزلونها أيام الشتاء والربيع للصيد ومباريات الفروسية. كان من أشهر القصور الأموية في الزرقاء، قصر الحلابات، قصر عمرة، قصر حمام السراح وقصر عين السل.
قل اهتمام العباسيين ببلاد الشام وخصوصا بعد نقلهم عاصمة الخلافة من دمشق لبغداد، بحيث أصبحت هذه البلاد بعيدة عن عاصمة الخلافة. وقد أصبحت الشام خارج السيطرة العباسية بحلول عام 878 عندما أستولى الطولونيون وبعدهم الإخشيديون في مصر على الأردن وفلسطين ثم آلت في نهاية المطاف إلى الفاطميين بحلول سنة 1071.
في الفترة الأيوبية المملوكية عدل كانت الزرقاء مدينة معروفة لوقوعها على طريق الحج الشامي وكانت تعرف بكثرة مياهها وخصوبة تربتها. فقد كانت لها شهرتها وصيتها في العهد المملوكي بسبب موقع شرق الأردن الأستراتيجي الهام ومن ضمنه الزرقاء، وعندما انتصرت جيوش الصالح نجم الدين أيوب، أصبحت الزرقاء جزءا من إمارة الكرك التي تحالفت مع المماليك في مصر.
في الفترة العثمانية بقيت الزرقاء معروفة كمركز مهم على طريق الحج الشامي، فكانت تعج بالحياة، وتزدحم أسواقها بالحياة وتعج بالنساء والتجار بالذات في موسم الحج. اهتمت الدولة العثمانية ببلاد الشام خاصة بطريق الحج الشامي فحفرت الآبار وبنت القلاع فيها على امتداد الطريق لتأمينه وحمايته من اللصوص وقطاع الطرق واعتداءات البدو وأنشئت خلال هذه الفترة محطة سكة الحديد في الزرقاء. وكانت هذه المحطة مكونة من عدة مباني أهمها: المحطة الرئيسية، خزان الماء والسكن. كانت تقع هذه المحطة على حافة نهر الزرقاء وتضم ثلاثة خطوط أحدهما رئيسي لسير القطارات عليه والآخران فرعيان لتخزين العربات والقاطرات وتحميل وتنزيل البضائع. بالإضافة لسكة حديد الزرقاء كان هناك سكة حديد الرصيفة الواقعة على طرف وادي الزرقاء والمعدة لتصدير الفوسفات من هذه المنطقة والجدير بالذكر أن هذه المحطة بقيت تعمل على نقل الفوسفات لتصديره حتى بدايات الألفية وبعدها توقفت وأغلقت شركة الفوسفات في الرصيفة.
وأدى هذا التنوع البشري من السكان في عصرنا الحالي، إلى إثراء الحياة الاجتماعية والاقتصادية لمجتمع الزرقاء، الأمر الذي تطلب معه وجود نظام إداري وتجاري لتنظيم العلاقات بين هذه المجموعات، ومن الجدير بالذكرأن الزرقاء كانت تتبع قائم مقام عجلون الذي كان يعين مختارا لإدارة قرية قصر الزرقاء. وبتاريخ (18 نوفمبر 1928) أصدرت الحكومة الأردنية قرارا يقضي بتشكيل هيئة مؤقتة للمجلس البلدي في الزرقاء، وتم تعيين بهاء الدين عبد الله وكيلا للمجلس، وبدأ المجلس برعاية الزرقاء وإنشاء البنية التحتية من طرق وكهرباء ومياه وهاتف حيث تم إيصال المياه إلى المنازل لأول مرة سنة (1934).
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير