ميسر السردية تكتب : قصص ليست أغرب من الخيال .. الجزء الثاني

{title}
نبأ الأردن -

لاشك أن لكل بيئة طقوسها ومعتقداتها التي ظل بعضها مواكبا لوقت قريب فيما أندثرت معظمها مع تقدم الحياة وازدياد التعليم إضافة لرحيل معظم أجدادنا الذين كانوا يتمسكون بتلك المعتقدات المتوارثة عن أسلافهم خاصة عن مابعد الحياة.
ذات مرة ذهبت مع عائلتي لحضور أضحية عند أقرباء لنا. كانت الأضحية ناقة، والناقة تعادل سبع أضحيات وهو العدد المطلوب من الشخص حسب الإعتقاد، ومن يقدم ناقة فقد أكتملت تقدمته ولا داع لمزيد من الأضحيات لنفس المتوفى أو من يُضحي وهو على قيد الحياة، كما يُعتبر من الضرورة بمكان شراء الأضحية قبل فترة العيد للإهتمام بها أكثر من غيرها مما يمتلكون من أنعام.
كانت الناقة بالقرب من البيت فرغم أن لديهم رعية إبل إلا أنها لا ترافق القطيع للرعي بل تُخدم في مكانها على الأغلب.
صباح عيد الأضحى زاد الأهتمام، حيث جهزوا شداد والشداد هو بمثابة سرج الفرس أي مايوضع على ظهرها للركوب، كان الشداد من الغزل الملون المدلل بالشراشب إضافة لخُرج مدلى على الجانبين، لقد بدأت بكامل زينتها، ثم طُلب من حفيد المتوفى ركوبها والتجوال في المكان المزمع به إداء الأضحية، ثم تم عرض الماء عليها كي تشرب ثلاث مرات كي لا تُنحر عطشى.
نزل الصبي وقاموا أولا بذبح ديك كان يحمله أحدهم أمام الناقة، لا أذكر تحديدا معنى ذبح الديك على ما أعتقد له علاقة برفع الآذان كما علمنا منهم أن الديك يصيح فجرا للإعلان عن موعد الصلاة. أما تهيئة الركوب بتلك الزينة فتتعلق بالمتوفى كي يركب ناقته بدون نقصان. وكذلك يشترط أن يكون من يركبها قبل نحرها من ذوي من ستذهب إليه وليس غريبا عنه.
من معتقداتهم القديمة أيضا أن الصدقات لاتذهب إلى الأموات على شكل حسنات، إنما تذهب كما هي ويستخدم ها كما قُدمت عن روحه، ذلك ما أشتهر في عشا الأموات في رمضان ولم يكن يسمى كما الآن إفطار الولايا أو ارحام العائلة.
يقولون أن الميت في رمضان يمسك بصحنه وينتظر ما سيصله من أهله فإن لم يقدموا شيئا يشعر بالحزن ويكفي صحنه على الأرض فيما غيره من الأموات الذين وصلتهم الصدقات ينعمون بالطعام أمامه، كنت في صغري أستغرب وأنا أستمع لأجدادي ولماذا لا يتشاركون ويطعمون بعضهم بعضا.
ويوجد لدينا معتقد" نب" الطعام، والنب ضروري جدا، توصى به ربة المنزل عندما تعد الطعام، سواء لأسرتها أو للضيوف أو للتوزيع على الآخرين،ولازلت أحرص على هذه العادة شخصيا، التي مفادها أن المرأة عندما ترش الملح على الطعام تذكر همسا أنه عن روح فلان وفلان وفلان وتذكر طبعا أسم والد ووالدة زوجها إن كانوا متوفين، ومن العادات قول من يتناول ذاك الطعام "واصل إن شاءالله"
َأيضا إذا أعطى الشخص"ولي الميت" أي صدقة مثلا كالاثواب أو غيرها فإنها لابد ستصل كما هي، فإذا تم "نب" وجبة منسف أو مجدرة او ماتيسر، سيأكلها المتوفى كما طُبخت يومها، لذلك كانوا في رمضان يذبحون ذبيحة ويرفضون تقديم الدجاج كعشاء للميت لأنه لا يليق به وكي يأكل اللحم كالآخرين في عالمه ذاك.
هذه قصص مما عايشت وشاهدت وسمعت.. معظمها لم يعد يأُخذ به في وقتنا الحاضر.. أحبت مشاركة بعض تفكير أسلافي في نظرتهم للحياة وما بعدها قديما.





غدا إن شاءالله نورد الجزء الثالث من طقوس لذات الموضوع ومادرج من معتقدات في تراثنا.
تابعوا نبأ الأردن على