جميل النمري يكتب: القطاع الصحي في قسم الطوارئ

{title}
نبأ الأردن -

بعد عمر طويل لوزير صحتنا في منصبه أريد أن أقترح تسليم المنصب لشخص ليس طبيبا وليس من كادر الوزارة بل لشخصية قيادية تحمل الدكتوراه في العلوم الإدارية والموارد البشرية مع سيرة مترعة بالنجاحات في مجال انقاذ الشركات والمؤسسات المتعثرة !
مرّ كثير من الوزراء الجيدين على وزراة الصحة وكذلك العكس.





لكن من يتذكره الأطباء بإعجاب وما زالوا يشيدون به بعد مرور كل هذا الوقت، لم يكن طبيبا بل مهندسا أدار وما زال أنجح شركة للأدوية في الأردن تحولت إلى واحدة من كبريات الشركات في المنطقة والعالم.
صلتي بالقطاع الصحي وثيقة من زمان ليس بسبب عملي كإعلامي وكاتب مقال يومي يتابع الشأن المحلي وهموم كل قطاع عن كثب ليقول شيئا علميا ومفيدا عما يحدث، ولا لأن زوجتي طبيبة في وزارة الصحة منذ 29 عام ولكن لأنّي أنا نفسي عملت في القطاع لسنوات من خلال مهنتي الأولى كصيدلي في تسويق الأدوية.





كنت أثناء زيارتي لمستشفيات وعيادات الوزارة اقضي كثيرا من الوقت مع الأطباء ليس في تسويق أدويتي، بل كسياسي ونقابي معروف لديهم في مناقشة هموم القطاع ومؤسساته والحلول الممكنة .
كتبت كثيرا جدا عن القطاع الصحي وناقشت كثيرا واقع القطاع العام الصحي. وأثناء نيابتي كنت أزور الوزير لواسطة ما لكن كنت أمكث أكثر للإستماع من الوزير ومناقشة الخطط والحلول. وتعاقب عدّة وزراء وأنا اسمع عن دراسات وتحضيرات لمشروع التأمين الصحي الشامل دون ان يحدث شيء.





لقد كان هناك دائما استراتيجيات وخطط وسيناريوهات لمواجهة الإحتمالات الأسوأ ولنقل على سبيل المثال النقص الشديد المتوقع في التخصصات الدقيقة أو حال أقسام الطوارىء تحت الضغط الشديد وتردي الخدمة, لكن قلما وجدت خطة ما طريقها للتنفيذ وغالبا ما تكسرت أمواج التجديد على صخرة الواقع البيروقراطي المترهل والفساد الإداري المتأصلّ، ولطالما انتهى وزراء طموحون الى الاستسلام لواقع الحال.
السرّ لا يخص وزارة الصحة فقط فهي نفس القضية في كل قطاع. أعني الفشل في انجاز اصلاح اداري عميق وشامل.





ولعل وزارة الصحة من أكثر القطاعات التي تلقت تمويلا لمشاريع التطوير والتأهيل لكن نعرف ان المال كان يتسرب في قنوات التنفيع والإستجابة الشكلية لبرامج رفع الكفاءة وبناء القدرات واسأل من كان بها خبيرا ! وكان السؤال الذي ينتصب أمامنا كلّ مرة هو لماذا تتفرد بعض المؤسسات بقصص إنجاز لافتة كجزر نجاح في بحر من الفشل ؟!
أول أمس التقى جلالة الملك قادة القطاع الصحي ولعله قال كلاما أقسى مما ورد في الإعلام خصوصا ما يتعلق بوفاة الطفلتين على ابواب طوارئ المستشفيات.





ومعاناة الملك مع القطاع الصحي بدأت مبكرا منذ مطلع ولايته حين اضطر لزيارة م. البشير مرّة ثالثة لأن المصعد لم يتم إصلاحه بعد!! وقبل أيام قرأنا رسالة إستقالة مدير مستشفيات البشير بسبب قرارات للوزير تجاوزت المدير في تنقلات وتعيينات داخلية وتجاهلته في مطالب للمستشفى. ويبدو الأمر كمشكلة في العلاقات البيروقراطية لكنها تعكس خللا اداريا ينتهي ولا شك باختلالات فادحة في الأداء وتطبيق خطط الإصلاح.
خلال أزمة كورونا كان القطاع الصحي كله في قسم الطوارىء. وأبلى بلاء حسنا فقد استنفرت معه الدولة كلها لمواجهة الوباء ووضعت الخطط وطبقت بحزم بما في ذلك إنشاء مستشفيات ميدان كفؤة.





ويبدو أنه حين يكون التركيز شديدا والارادة قوية والإدارة حازمة دون أدنى تسامح مع التراخي والتقصير فالإنجاز يكون اكيدا.. والسؤال كيف نجعل ذلك سياسة ونهجا وكيف نصنع ادوات الرقابة الحازمة على الأداء؟!
(مقال اليوم الذي لم ينزل في الجريدة ! )


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير