ميسر السردية تكتب : … تهافت التهافت في مذكرات التخافت
عندما يسطر الغربيون مذكراتهم التي ننتظر قراءتها بحماس ,بغض النظر عن مراكزهم الوظيفية, سواء أكانوا رؤساء دول أو حكومات, وزراء خارجية أو مخابرات ,جواسيس وقادة عسكريين ,نُذهل بالدقة في ذكر الأسماء والتواريخ, وصف الغرف و أنواع السيارات وسعة الطائرات التي استخدموها, الوان ستائر مكاتب وقاعات الاجتماعات ووجبات العشاء,الانطباعات الشخصية عمن يقابلونهم, حتى وصف ثيابهم و موديلات أحذيتهم ,متى أصيبوا بدوار , قلق , توتر, كيف ومتى يمارسون هواياتهم , ليس مستغربا حتى سخريتهم من أنف أحد قادة الدول وتشبيهه بالساحرات مثلا.
عقب التقاعد من الوظيفة العامة , يشرع بعض المشاهير وخاصة الساسة منهم, بتدوين تجاربهم ونشرها للعامة, لتحقيق عدة مكاسب وأهداف, مادية , تعليمية للدارسين, ملهمة للأجيال الشابة, توضيحية للباحثين , توجيهية لزملائهم اللاحقين , أو براءة ذمة من حقبة كان جزءا منها.
لا أستبعد أن بعضاً ممن تعامل مع هؤلاء ,بالكاد يلتقطون أنفاسهم وهم ينتظرون المذكرات ,خشية ذكرهم بطريقة ترفع الحُجب عن غيب حياتهم ومواقفهم.
أما نحن عامة الناس , نكون ننتظر تلقف تلك السير الذاتية-على الأقل- كي نطلع على ما خفي عنا من جوانب الحياة السرية لدولنا و قياداتنا, من وجهة نظر غير التي تخرج علينا بها عواجل التلفزة وملحقاتها , فانعدام الثقة تارة و تذبذب مستوياتها تارة أخرى, بين الحكام والمحكومين في عالمنا العربي, حالة مترسخة ومسلمة كيقينية"الدين"أحيانا, خاصة مع استمرار عمليات التعرية و الحت السياسي لعقولنا المخدوعة طيلة مئويات التاريخ و المتجاوزة " بكيفها" عن زلات آدم تحت شجرة"لعل وعسى".
لاشك أن تلك الشخصيات التي نشعر بالغبن ونحن نقرأ ما سطرت, لا تُفرج عن كل ما تمتلك من أسرار معلومات ,و قد لا يتجاوز ما تورده نصف الحقيقة , ليس خوفا من معاقبة سلطاتهم ,أو تخوفا على مستقبل ذرياتهم, إنما حماية لأسرار دولهم ,وعدم إماطة اللثام وكشف مستور يكون طبقا لتقدير حساسية و خطورة وثائق ومواقف يفترض تجنب طرحه بوضوح , فقد يكون بعضها لم تنجز أهدافها بعد أو لا تخدم اللحظة السياسية والتاريخية لبلدانهم , في حين سيأتي الوقت المناسب حسب معاييرهم وقوانينهم للكشف عنها وتظهيرها في سنوات لاحقة
إذن الشخصية "رفيعة المستوى", ليست مضطرة للمراوغة والتنكر خلف الأقنعة, في سرد ما لها وما عليها , بعكس ما قد يثقل كاهل الشخصيات العربية, عندما تقرر نشر مذكراتها وسرد وقائع ما عايشت وسمعت وشاهدت في أروقة السلاطين.
في مذكرات مسؤولينا, الذين أعتقد أنهم لم يسجلوا تفاصيل يومياتهم تحسبا لنشرها يوما ما, ولم يستعينوا غالبا بوثائق المؤسسات التي عملوا بها ,سيظل الرقيب"الذاتي" يطل من فوق أكتافهم , يشرف على كل فقرة, فيُسطر "القلم الأحمر "ما يسطر, كي لا تزل القدم في مهوى العتم, حتى تصير المجاملات ومدائح الخلعة السنية عنوان معظم ما يكتب من الجلدة للجلدة.
.. حقيقة أعذرهم أحيانا , فالكتابة ملتبسة وشائكة في حقول الألغام, ولأننا أصحاب مقولة " والله نسيت شو تعشيت مبارح" أنصح كل من يفكر بنشر مذكراته مستقبلا.. وخاصة من رواد الكراسي الذهبية , البدء بتدوين يومياتهم , والاحتفاظ بكل قصاصة ورق …حتى لو كانت تشرح فوائد الفنكوش …!!!