د. وليد العريض يكتب: حين يخاف السيف من القلم
نبأ الأردن -
تعقيب على مقالة د. وليد عبد الحي "دول السيف والجهل"
...
ليست الدولة خائفة من الحرب، ولا من الدبابة ولا من المدفع.
هذه أدواتها المألوفة، لغتها اليومية وسلاحها المشروع في إدارة الخوف وترتيب الطاعة. السيف مفهوم واضح، لا يسأل ولا يُراجِع.
ما تخشاه الدولة حقًّا هو القلم.
فالسيف يُطيع والدبابة تنفّذ والمدفع لا يعرف التردّد. أمّا القلم فيسأل قبل أن يكتب، ويكتب قبل أن يُطيع، ويترك السؤال مفتوحًا حتى بعد إسكات صاحبه. ولهذا لا يُحارب القلم لأنه ضعيف، بل لأنه خطِر.
في معركة السيف والقلم يبدو المشهد محسومًا لحظته الأولى. حين تقع الحرب ينتصر السيف ماديًّا: يحتلّ الأرض، يفرض الوقائع ويُعلن النصر في البيانات العاجلة. لكن هذا النصر-مهما بدا ساحقًا-نصرٌ قصير العمر، ابن اللحظة، ومشروط ببقاء القوة مرفوعة ومشهورة.
القلم لا ينازع السيف في ساحة المعركة ولا ينافسه على الأرض، بل ينازعه على المعنى: على الرواية وعلى السؤال الذي يبقى بعد أن يهدأ الغبار. ولهذا تخاف الدولة من القلم أكثر مما تخاف من العدو؛ فالعدو يمكن هزيمته، أمّا القلم فلا يُهزم. يمكن قمعه، تشويهه، نفيه، لكن لا يمكن محو أثره.
السيف يربح المعركة، لكن القلم يربح الذاكرة. السيف يفرض الصمت، لكن القلم يُعيد للكلمات حقّها في الشهادة. كم دولة انتصرت بالسيف ثم سقطت في كتاب؟ وكم حاكم حكم بالمدفع ثم خسر شرعيته في سطر واحد؟
لهذا حين ينتصر السيف والجهل معًا، تُسارع الدولة إلى كتابة التاريخ بنفسها: تُغيّر الأسماء، تُبدّل المعاني وتحوّل الهزيمة إلى مرحلة، والخراب إلى تحدٍّ والصمت إلى حكمة. لكن القلم الحرّ لا يقبل هذه الصفقة. هو لا يملك قوة الإكراه، لكنه يملك قوة البقاء. يكتب ببطء، يحفر عميقًا ويعود دائمًا بعد سقوط السيوف.
نصر السيف يُقاس بالأمتار ونصر القلم يُقاس بالأجيال. الأول يُرعب الحاضر والثاني يُحرّر المستقبل. ولهذا لا تُغلق الدول الثكنات حين تخاف، بل تُغلق المطابع؛ ولا تُراقب الحدود فقط، بل تُراقب الكلمات. فالدولة تعرف-وإن أنكرت-أن كل سيف بلا معنى، مهما طال، سيصدأ.
وختاما :في آخر المعركة- حين يتعب السيف من الوقوف ويصمت المدفع لأن الذخيرة لا تُجدي-يبقى القلم شاهدًا لا يصفّق ولا يهرب. القلم لا يحتفل بالنصر ولا يكتب تحت الأضواء؛ يعرف أن الزمن حليفه وأن الحقيقة لا تموت وإن تأخّرت. قد ينتصر السيف اليوم وقد يُسكت القلم ساعةً أو جيلًا، لكن ما يُكتَب بالحديد يُمحى، وما يُكتَب بالمعنى يبقى. فالسيف مهما علا، ظلّ أداة؛ أمّا القلم فهو الذاكرة حين تُنقِذ والنصر الوحيد الذي لا يصدأ.
























