أ.د. حسن عبدالله الدعجه يكتب: الأردن وباكستان: فجوة بين السياسة والاقتصاد
تُعدّ العلاقات الأردنية-الباكستانية نموذجًا مميزًا في العلاقات الثنائية بين الدول الإسلامية، ويعود تاريخ هذه العلاقات إلى عام 1947، حيث يقوم التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى السفراء المعتمدين والمقيمين، بما يعكس عمق الروابط السياسية بينهما. وقد تأسست هذه العلاقة على أسس متينة وروابط تاريخية عميقة قائمة على الاحترام المتبادل والتنسيق المستمر في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وأسهمت الزيارات الملكية الأردنية المتكررة إلى باكستان في تعزيز هذه العلاقات وترسيخها على أعلى المستويات، حيث شكّلت محطات مهمة لتطوير التعاون السياسي، وتأكيد الالتزام المشترك بدعم القضايا العربية والإسلامية.
ومنذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حافظ الأردن وباكستان على مستوى عالٍ من التفاهم السياسي والدعم المتبادل في المحافل الدولية، ولا سيما في ما يتعلق بالقضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تحظى بأولوية خاصة في سياسات البلدين الخارجية. كما يمتد هذا التعاون ليشمل العمل المشترك داخل منظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، وغيرها من الأطر متعددة الأطراف، بما يعكس حرص الطرفين على تعزيز الاستقرار الإقليمي، ودعم الحوار، وترسيخ مبادئ التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية.
ورغم هذه القوة السياسية، إلا أن العلاقات الاقتصادية لا تزال دون المستوى المأمول، ولا تعكس عمق ومتانة العلاقة السياسية. فحجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي بلغ نحو 51.29 مليون دولار عام 2024، لا يزال متواضعًا مقارنة بالإمكانات الاقتصادية الكبيرة للطرفين، والأسواق الواسعة في باكستان، والموقع الاستراتيجي للأردن كبوابة للمنطقة العربية. وهذا التفاوت بين قوة السياسة وضعف الاقتصاد يشكّل تحديًا حقيقيًا أمام بناء شراكة شاملة ومستدامة.
تطوير العلاقات الاقتصادية يتطلب أولًا تفعيل الأطر المؤسسية القائمة، مثل اللجان المشتركة واتفاقيات التعاون، وتحويلها من أطر شكلية إلى منصات فاعلة لتحديد الفرص الاستثمارية وإزالة العقبات أمام التجارة والاستثمار. كما أن تعزيز التواصل بين غرف التجارة والصناعة في البلدين، وتنظيم منتديات اقتصادية ومعارض تجارية مشتركة، من شأنه أن يعرّف القطاع الخاص بالإمكانات المتاحة ويشجعه على الدخول في شراكات حقيقية في مجالات مثل الصناعات الدوائية، تكنولوجيا المعلومات، الزراعة، النسيج، والخدمات اللوجستية.
أما على المستوى الأمني والعسكري، فإن الأردن وباكستان يمتلكان خبرات مهمة يمكن البناء عليها. فباكستان دولة ذات قدرات عسكرية كبيرة وتجربة طويلة في الصناعات الدفاعية، بينما يتمتع الأردن بمؤسسات أمنية محترفة وخبرة واسعة في مجالات مكافحة الإرهاب وحفظ السلام. ويمكن تطوير التعاون عبر برامج تدريب مشتركة، وتبادل الخبرات، وتوقيع اتفاقيات في مجالات الصناعات الدفاعية ونقل التكنولوجيا العسكرية، بما يعزز من قدرات البلدين ويحفظ أمنهما في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة.
كذلك، لا بد من الاستثمار في البعد الثقافي والتعليمي باعتباره ركيزة أساسية لأي شراكة طويلة الأمد. فزيادة التبادل الطلابي، وتشجيع البحث العلمي المشترك، وتعليم اللغة والثقافة لدى الطرفين، يساهم في بناء جسور إنسانية تدعم التعاون السياسي والاقتصادي والأمني على المدى البعيد.
في المحصلة، فإن العلاقات الأردنية-الباكستانية تمتلك قاعدة سياسية صلبة تؤهلها للانتقال إلى مرحلة أكثر عمقًا وتكاملًا، خاصة في المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية. وتحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية واضحة، ودورًا أكبر للقطاع الخاص، وتفعيلًا حقيقيًا للاتفاقيات القائمة، بما يضمن تحويل قوة السياسة إلى شراكات ملموسة تنعكس إيجابًا على التنمية والاستقرار في البلدين.
























