وائل منسي يكتب: السفير الأمريكي الجديد في عمان : دبلوماسية شعبية في لحظة إقليمية حساسة

{title}
نبأ الأردن -
في الأسابيع القليلة الماضية، تحوّل اسم السفير الأمريكي الجديد في عمّان، جيمس هولتسنايدر، من مجرد خبر دبلوماسي عابر إلى مادة نقاش عام، وسجال سياسي، ومحتوى رقمي واسع الانتشار. ولم يكن ذلك صدفة، بل نتيجة تلاقٍ لافت بين ثقل الرجل السياسي الأمني، وأسلوب حضوره غير التقليدي، وحساسية اللحظة الإقليمية، إضافة إلى دور السوشيال ميديا في تضخيم الصورة وتأطيرها.
البداية كانت مع منشوري (وائل منسي)، الذي كُتب قبيل تعيين هولتسنايدر رسمياً سفيراً في الأردن، وتناول فيه دلالات الشخصية والخلفية والمسار المهني للرجل، متنبئاً بأننا أمام سفير "غير عادي”.
 ذلك المنشور، الذي تجاوز مليون مشاهدة على فيسبوك، لم يكن مجرد قراءة شخصية، بل كشف مبكراً عن فضول شعبي أردني تجاه القادم الجديد، وعن استعداد الرأي العام لمراقبة أدق تفاصيل حضوره وحركته.
سفير بملف أمني… في لحظة إقليمية ملتهبة
تعيين هولتسنايدر سفيراً فوق العادة ومفوضاً في الأردن لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي.
 الرجل القادم من خبرات متراكمة في العراق وأفغانستان والصومال، ومن عمل مباشر في ملفات سياسية عسكرية حساسة، ومن اطلاع عميق على الشأن الإيراني، ليس دبلوماسياً بروتوكولياً تقليدياً. هو، عملياً، رجل أزمات أرسلته واشنطن إلى دولة تُعدّ اليوم حجر زاوية في معادلة شرق أوسط يعاد تشكيله.
الرسالة الأمريكية واضحة:
الأردن مستقر… لكنه في قلب العاصفة.
غزة، الضفة، سوريا، العراق، إيران، الاقتصاد الأردني، والضغط الاجتماعي الداخلي؛ كلها ملفات تتقاطع في عمّان. 
ومن هنا، يصبح وجود سفير بخلفية أمنية سياسية ثقيلة جزءاً من إدارة هذه المرحلة، لا مجرد تمثيل دبلوماسي.
من القاعات الرسمية إلى المجالس الشعبية
ما فاجأ كثيرين، وأثار إعجاب آخرين، هو أن هولتسنايدر لم يكتفِ بلغة المذكرات الدبلوماسية واللقاءات الرسمية. 
على عكس الصورة النمطية للسفراء، خرج الرجل إلى الوسط والبادية، شارك في مجالس عزاء، تجوّل في الأسواق، زار مواقع أثرية وسياحية دون بروتوكول مُعلن، وتحدّث مع الناس مباشرة وتفاعل مع مباريات المنتخب الأردني في كأس العرب في قطر.
هنا تحديداً، تجاوز السفير الأمريكي ما اعتاده الأردنيون من السفراء، حتى الأمريكيين والبريطانيين منهم، الذين غالباً ما يشاركون المجتمع المحلي ضمن دعوات رسمية مضبوطة: إفطار رمضاني هنا، احتفال ثقافي هناك، أو نشاط برعاية السفارة.
أما هولتسنايدر، فاختار الدبلوماسية الشعبية بأقصى صورها: حضور مباشر، تواصل غير رسمي، ومقاربة "عن قرب”.
قراءة ميدانية لا سياحة دبلوماسية
كما كتبت لاحقاً، فإن هذه الجولات ليست حباً بالبادية ولا شغفاً بالسياحة. 
هي قراءة ميدانية دقيقة للدولة والمجتمع معاً. 
حين يغادر السفير العاصمة، فهو يقرأ:
المزاج الشعبي خارج المركز
علاقة الدولة بالعشائر والمجتمعات المحلية
مستوى الاحتقان أو الاستقرار
قدرة الضبط الاجتماعي في الأطراف
البيئة القريبة من الحدود، وما تحمله من مخاطر تهريب أو تطرف
وهي أيضاً فرصة لمراجعة أثر المساعدات والمنح الأمريكية على الأرض، وتقييم المشاريع، وربما إعادة توجيه التمويل بما يخدم أولويات واشنطن.
الرسالة هنا ثلاثية:
للدولة: نحن نراقب، نفهم، ونتابع التفاصيل.
للمجتمع: نحن حاضرون بينكم، لا في القصور فقط.
للمجتمع الدولي: الأردن ما زال محوراً لا يمكن تجاوزه.
بين الإعجاب والريبة
هذا الحضور المكثف لم يمر دون انتقادات. فبعض الأوساط الأردنية، المتحسّسة تاريخياً من السياسات الأمريكية، ترى في هذه الجولات مصدر ريبة، وتستحضر ذاكرة مثقلة من بلفور إلى سايكس بيكو، ومن التدخلات إلى الحروب. 
بالنسبة لهؤلاء، أمريكا وسفيرها، خصم يجب الحذر منه، لا الترحيب بحضوره الاجتماعي.
في المقابل، يرى آخرون أن ما يفعله هولتسنايدر ذكاء دبلوماسي، وأن تجاهل المجتمع أو الاكتفاء بالقنوات الرسمية هو خطأ قاتل في دولة يقوم استقرارها على توازن دقيق بين المركز والأطراف.
مفترق طرق:
في المحصلة، نحن أمام مشهد مركّب:
سفير بوزن أمني وسياسي ثقيل
أسلوب دبلوماسية شعبية غير مسبوق بهذا الزخم
رأي عام منقسم بين الترحيب والحذر
ودولة تقف عند مفترق فرص ومخاطر
إما أن يحسن الأردن استثمار هذه المرحلة في شراكة متوازنة: أمن مقابل تنمية، دعم مقابل إصلاح، تعاون دون وصاية.
وإما أن يتحول الحضور المكثف إلى عبء سياسي إذا فُهم شعبياً كضغط أو تدخل.
ما هو مؤكد أن جيمس هولتسنايدر ليس سفيراً عابراً، وأن ما يجري اليوم في عمّان، من منشور فيسبوكي بمليون مشاهدة، إلى جولة في البادية، إلى سيلفي في مناسبة عامة  هو جزء من معركة أوسع:
معركة النفوذ… ولكن هذه المرة، بلا دبابات.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير