د. نضال المجالي يكتب: السيول المتهمة الأولى… و«ارفع بنطلونك» الشعار غير الرسمي لشتاء الكرك

{title}
نبأ الأردن -
خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، ارتفع عدد بلاغات الدفاع المدني في محافظة الكرك بشكل لافت، حتى خُيّل للمواطن أن هاتف الطوارئ أصبح أسرع دورانا من عجلات المركبات الغارقة. وكالعادة، وُجّه الاتهام الجاهز إلى "السيول”، تلك الظاهرة الطبيعية التي تحوّلت، بقدرة قادر، من خيرٍ أرسله الله إلى متهم دائم الحضور في نشرات الأخبار والتصريحات الرسمية.

السيول، حسب الرواية السائدة، هي السبب، وهي الفاعل، وهي التي قررت فجأة أن تهاجم الطرق والمنازل، وكأنها كائن شرير خرج عن السيطرة. لكن السؤال البسيط الذي لا يحب أحد سماعه: هل السيول جديدة على الكرك؟ أم أن الجديد هو هشاشة الطرق، وغياب التصريف، وفشل البنية التحتية التي تنهار من أول اختبار مائي بسيط؟

الحقيقة المؤلمة أن المطر لم يفعل سوى النزول، أما الطرق فقد فعلت كل شيء إلا أن تكون طرقا. مشاريع نُفذت بعطاءات، واستُلمت بتواقيع، ثم انكشفت عيوبها تحت أول غيمة. هنا لا يمكن للسيول أن تكون المتهم الوحيد، فالمتهم الحقيقي هو غياب ضمير التنفيذ والاستلام، ذلك الضمير الذي لا يظهر في الشتاء، ولا يُستدعى مع فرق الطوارئ.

وما نخافه فعلا، أن نصل إلى مرحلة نرفع فيها شعارا جديدا للشتاء، شعارا ساخرا لكنه واقعي: «ارفع بنطلونك… منسوب المياه مرتفع». شعار يختصر المشهد كله، ويحوّل المواطن من مستخدم للطريق إلى متعايش مع الغرق، ومن صاحب حق إلى شخص يبحث عن أقصر طريق لاختبار عمق المياه.

وسط هذا المشهد العبثي، لا بد من توجيه تحية صادقة للدفاع المدني، الذي وجد نفسه في الواجهة، ينتقل من بلاغ إلى آخر، وينقذ الأرواح والممتلكات، ويغطي على فشلٍ لم يكن من صناعته. شكرا للدفاع المدني، الذي لم يعد فقط جهاز إنقاذ، بل أصبح – وبحق – يملك حق مقاضاة المتسببين، أولئك الذين حوّلوا السيول من نعمة إلى أزمة، ومن المطر إلى خطر دائم.

فربما آن الأوان أن نعتذر من السيول، ونرفع البنطال فقط كشعار ساخر، لا كأسلوب حياة، وأن نوجّه الاتهام الحقيقي إلى حيث يجب: إلى البنية التحتية المتهالكة، وإلى من وقّع واستلم، ثم اختفى مع أول زخة مطر
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير