آيات العتوم تكتب: الإدمان الإلكتروني: حين تُربّي الخوارزميات أبناءنا بدلًا منا

{title}
نبأ الأردن -
في الماضي، كان قلق الأهل ينحصر في عدد الساعات التي يقضيها الطفل أمام التلفاز.
اليوم، أصبح القلق أعمق وأخطر: تعلّق الأبناء بالشاشة بكل أشكالها، حتى باتت جزءًا من تكوينهم النفسي والعصبي.

الإدمان الإلكتروني ليس مجرد استخدام مفرط، بل هو إدمان سلوكي شرعي اجتماعيًا؛ لا يُمنع ولا يُدان، لكنه يعمل على اختطاف أخطر ما في الإنسان: نظام المكافأة في الدماغ.
فكل إشعار، وكل فيديو قصير، وكل "لايك” يطلق دفعة دوبامين سريعة، تجعل الدماغ يطلب المزيد… دون شبع.

تشير الدراسات العصبية إلى أن هذا التحفيز المستمر لا يمرّ دون ثمن.
الدماغ يتعوّد، تقلّ حساسيته للمكافآت الطبيعية، ويبدأ الطفل أو المراهق بفقدان متعته في الدراسة، والحوار، واللعب، وحتى العلاقات الإنسانية. وهنا لا يعود الهاتف وسيلة ترفيه، بل ملاذًا نفسيًا للهروب من القلق، والفراغ، والضغط.

من واقع الخبرة والمتابعة، أرى أن المشكلة ليست في التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في تسليم الانتباه والتربية للخوارزميات.
منصات التواصل لم تُصمَّم لتنشئة الأطفال أو دعم نموهم النفسي، بل لإبقائهم أطول وقت ممكن عبر المقارنة، والتحفيز السريع، وخلق شعور دائم بأن "شيئًا مهمًا سيفوتهم”.

الطفل لا يملك الأدوات العصبية ليقاوم هذا التصميم.
دماغ المراهق ما زال في طور البناء، ومراكز التحكم واتخاذ القرار لم تكتمل بعد، بينما تعمل الخوارزميات بدقة أعلى من وعيه. النتيجة غالبًا تكون:
تشتت، ضعف تركيز، عزلة اجتماعية، توتر، وأحيانًا اكتئاب صامت لا يُلاحظ إلا بعد فوات الأوان.

لكن الرسالة الأهم للأهل: الحل ممكن، والمسؤولية مشتركة.
الحزم التربوي الواعي، وضع القوانين داخل البيت، توفير بدائل واقعية، والقدوة الصادقة من الوالدين، كلها أدوات أساسية لإعادة التوازن النفسي والعصبي للأبناء.

الخطر الحقيقي ليس أن يمسك الطفل هاتفًا،
بل أن نتركه وحيدًا في عالمٍ صُمّم لاختطاف انتباهه وهويته.

التكنولوجيا أداة…
إما أن نُحسن إدارتها،
أو نكتشف متأخرين أنها أدارتنا دون أن نشعر.

✍ المهندسة والمستشارة الأسرية والتربوية
آيات العتوم
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير