سامية المراشدة تكتب:حكي قروي : يالله الغيث يا ربي وقصة الجاروشة

يا الله الغيث بغيثين ،مد القمح بليرتين ، هذا قبل ما يقارب اربعون عاماً ، يا الله ما اجمل حكيات حجاتنا الكبار، الذاكرة تتعلق بين حبات المطر وحبات القمح ،نسيج متكامل عن صورة مرتبطة بالخير  ،في مقولات عن الشتاء لا يتذكرها الا هذا الجيل الذي يقدر النعمة والزرع ،لنتعلم ماذا كان يفعلون عند موسم المطر ،كيف كان يستعدون لذلك الموسم ، بالحراثة ومن بذار القمح ،كانت حبة القمح كبيرة وكانت الأغلال وفيرة، "زمان قبل" كانت حجاتنا البركة على قولتهم " كانت قلوبنا على بعض " "وحينما تسأل كيف تكون القلوب على بعض ؟ يكون الجواب ،كانت الناس ملاح " أو مليحين "  ،اللقمة تنقسم ،والغني يعطي الفقير ،كانت الناس أحن ،بساطة ،قلة ،لكن لما  يعطي المعطي ،يدرس الطالب ويجيب الشهادة ،وكنا نجوز العزابي ، وكنا نبني البيوت ،هذا كله بعد الحصيدة ،لما ينحصر المطر ،نسأل وين البرق والرعود ،نشتاق لموسم ينتظره الفلاحين  ،  وحينما يتأخر الشتاء ،يأخذن الجاروشه أو الطاحونة الحجرية إلى أطراف  المسجد ،و "يأخذن مد أو مدين " أو صاع "  من القمح ويجلسن مع عدد من النساء ،ويرددن يصوتهم ، على نية صافية ويغيثن، يالله يا ربي تسقي زرعنا الغربي ، راعينا حمد الأقرع لو سنتين ما يزرع ،يالله الغيث الدايم نسقي زرعنا النايم ،يالله الغيث يا ربي  خبزي قرقد في عبي ،يا ربي تجيب الأمطار والزرع طول الأشجار ،يا الله الغيث يا ربي ،تسقي كريمنا الغربي ،طبعا الجاروشة تجرش القمح وتتناوب عليها الحجات  حتى يطحن القمح كله ومن ثم يغادرن إلى منازلهم ومعهم الطحين ،وهناك ظن لا يخيب ،ومن ثم يصبحن على الشتاء . 

 وعلى مد القمح بليرتين ، اليوم قمحنا مستورد ومده بالدولار  ، وجاروشتنا حطيناها بمتحف للذكرى مع المنجل والغربال ، وبدنا قلوبنا على بعض ،ناس تظلم بعض ،ناس تحسد وناس تسرق وناس تغش وناس تبذر أموالها ،وناس تهجر أراضيها ، وبدنا الغيث يا ربي ، أجيالنا تتورث الماضي ليصبح حكاية ، والأرض امتلأت بالعمران ،واليوم قليل ما تشاهد المزارع وهو يبذر قمحاته بعد ما كان مشهد يتكرر كل عام امام أعين الجميع، اليوم موجود في مناهج وكتبنا  المدرسية تشرح كيف كان الزرع ، صورة مزارع وأمامه الدابة والحصان و يحرث الارض ، الا في قريتنا ،تتكرر المشاهد الحقيقية ، ومن حكي قريتنا ، ما زال  البعض يبحث عن  الماضي  مع ختايرة  زمان عن ناس زمان ، يالله الغيث يا ربي ،اليوم نسمع نشرة أخبار الجوية ، نعم هناك هطولات مطرية ، لكن مع توصيات يرجى أخذ الحيطة والحذر ، بعد ما كان يتغنى يا الله الغيث يا ربي .

سامية المراشدة