عبدالهادي راجي المجالي يكتب: عن المسيحي أتحدث

{title}
نبأ الأردن -
في كل عام وحين يحل عيد الميلاد ، ذات القصة تبدأ وهي : حرمة معايدة المسيحي ...ولكنها مجرد اراء هنا وهناك ، تداهم صفحات التواصل الإجتماعي ، هذا العام تغير المشهد فمجموعة من الطلبة ، أسسوا تحالفا ..كي يفسروا للناس حكم الإسلام بهكذا عيد .

أتذكر في العام (2000) حين اشترى رجائي المعشر العرب اليوم ، كنت كاتبا فيها ..وكان القرار الرسمي يقضي باستبعاد مجموعة من الكتاب الذين أثاروا غضب البطيخي يومها من الصحيفة ، أولهم أنا بالطبع ....وضع رجائي المعشر الصفقة في مكان ووجودي أنا والزملاء في مكان اخر ، قال لهم بالحرف الواحد : عبدالهادي راجي لن يخرج منها ....وللعلم رجائي ابن صالح المعشر وهو (مسيحي ) أردني عربي ...

أتذكر أني في العام (2007) أدخلت إلى عمان الجراحي على عجل ، صحوت على صوت يوسف القسوس في المستشفى ، وكان قد أجرى لي عملية قسطرة ..وعدل الأدوية التي أتناولها ، يوسف القسوس منذ (20) عاما وهو يداوي قلبي ..وكل عائلتي تتلقى العلاج عنده ، لم يتقاضى في حياته أجرا أو فلسا أحمرا مني ..وكلما جاء من السفر أرسل لي هدية ، يوسف مسيحي أردني عربي من الكرك .

ولأن الفحيصية (جيراني) ..وكلما يممت شطر المدينة ، كنت أجد المرحوم بطرس العكروش قد فتح منزله ، ولمنا جميعا على المناسف ...بطرس كان يغضب إذا زرت الفحيص ، ولم تمر على منزله ....كان وقتها المرحوم كمال جريسات يمارس الكتابة مثلنا في العرب اليوم ، وقد مازحني يوما قائلا : أنت سائقي الخاص ..كمال كان يعاني من المرض ، وقد أتعبه قلبه لكثرة ماصدر من حب ووفاء للأردن ...كمال جريسات وبطرس العكروش – رحمهما الله - مسيحيون وعرب أقحاح من الفحيص العالية والغالية....ولأن المسيحي في الأردن له خارطة تمثل الهوية وهي الأردن وله خارطة تمثل الحب وهي القلب ، كنا نتسلل دوما إلى حبش فراج في السلط ..أنا والمرحوم ( حنا فراج) حبش أفضل من عبر عن خارطة القلب... وأفضل من أدار شركات التأمين ، وأفضل من لم الناس في منزله على تخوم السلط ...وحنا فراج حين غادر الحياة أبكاني ، حنا كان مسيحيا لكنه علمنا الرجولة ، لم أشاهد في حياتي رجلا بجرأته ، ولم أشاهد محبا للبلد وللعرش مثله ... حنا مسيحي وحبش كذلك ..وهما من السلط ، التي يرتفع الصليب على كنائسها أردنيا مقاتلا عن التراب والزيتون والحب والبلد .

في طفولتي أيضا كنت أشاهد في مناسبات العائلة عبدالله غانم الزريقات ، كانت عائلتي تقدمه في الصفوف ، كنت أظنه وجيها من المجالي ..وحين كبرت عرفت أنه من عشيرة الزريقات في الربة ، لكن العشيرة للان ما زالت تنظر لعبدالله كوالده ..أحد وجهاء عائلة المجالي ، وأحد كبارها ..وللعلم عبدالله غانم الزريقات مسيحي أردني مجالي من قريتي الربه في الكرك ، ومازال بيت أبيه ذاكرة للكرم والشهامة وعنوانا للحب في الكرك .

وفي السياسة عرفت باسم السالم ، كنت قد قرأت عن أبيه خليل السالم ...باسم هو الوحيد الذي نبت الشيب على رأسه أردنيا ، وهو الوحيد الذي لم تتغير فيه العروق ظل وفيا لإرث أبيه ، وظل وفيا لأصدقاء أبيه ..كان بإمكانه أن يرحل إلى شقق لندن الفاخرة ، لكنه وضع كل ما يملك حتى دمه ..في البلد ، وظل مكتبه مفتوحا لنا وظل منزله هو الاخر مفتوحا ..نقرأ فيه تاريخ وصفي وخليل السالم وحمد الفرحان ..باسم السالم أردني مسيحي من الحصن ، حيث المحبة هناك مثل عاصفة من المطر تبلل فيك حتى أعماق الروح .

وأنا موزع بين ليث الحمارنة المسيحي المأدباوي ووضاح جميعان ...إذا مر علينا أسبوع ولم نلتق به ، فهناك خلل ...وإذا مر شهر ولم نذهب لحارة جدودنا في مأدبا ..ونجلس على طاولات يحفها التاريخ ، هناك خلل أيضا ..ليث مسيحي ووضاح كذلك ..وذهبت لكنائسهم ومقابرهم ، وشاركتهم العمر واللقمة والحزن ..والحياة بكل صلفها وجبروتها ...

هؤلاء الذين ذكرتهم كلهم (مسيحيون) ..كلهم يحملون الصليب في قلوبهم، ويذهبون للكنائس ..هؤلاء بكل ما فعلوا معي وبكل ما قدموا لي ، يكون حرفي خائنا ويكون مقالي خائبا إن لم أقل لهم في العيد : كل عام وأنتم بخير ..هؤلاء يكون الوفاء لدي معدما والأخلاق شحيحة ، إن لم أسلم عليهم واحدا واحدا وأقبلهم في العيد .

نحن الدولة الوحيدة في العالم التي خرجت فيها المسيحية كحالة وطنية وليست طائفية ..نحن الدولة الوحيدة في العالم ، التي بنيت على الحب والكفاح ..الدولة التي علمنا فيها المسيحي الحرف ، والأنفاس القومية ، والرفض ..وأسس عالم الطب وعالم البنوك ..نحن الدولة الوحيدة في العالم التي قد يرحل عنها الناس إلا المسيحي فتاريخه ضارب في جذور الأرض وراسخ وعميق ..

أنا لا أريد للشباب الذين أسسوا دعوة لتحريم (الكريسماس) العقاب ..هؤلاء الشباب الأصل أن يدخلوا في دورة تعليم وتثقيف ، الأصل أن يعرفوا من هو صالح المعشر من هو يعقوب زيادين ، من هو خليل السالم .. ، من هو روكس بن زائد العزيزي ..من هو توفيق النمري ، من هو منير حمارنة ..من هو الشاعر أديب عباسي ...من هي هند أبو الشعر ، من هو الشهيد ميشيل النمري ، من هو جريس سماوي ..من هو فخري اسكندر الداود ..من هوعادل جميعان ، من هو إميل جميعان ، من هو طارق مصاروة ، من هو أكرم مصاروة ...وتطول القائمة .

القصة ليست أمنية القصة باختصار ... لدينا خلل خطير في بيئة الجامعات ، في تفكير المجتمع ..القصة هي أننا بحاجة لحملة توعية وتثقيف ...
قد يكون قلبي خصمي في هذا الوطن ، لكن المسيحي لن يكون كذلك هو أخي ورفيقي وابن دربي وابن داري ...
كل عام وجميع إخوتنا (المسيحيون) في الأردن بالف خير وسلام ومحبة وصعود إلى مراتب العلى والمجد .
عبدالهادي راجي المجالي
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير