نور الدويري تكتب: ولاة الفكر والوعي، إعادة إنتاج المجتمع في قوالب الدين

{title}
نبأ الأردن -
قرأتُ منشورًا للدكتور أيمن العتوم بقلق، عن خبر اعتقال نجله واقرانه وكيف يجهل مكانهم وتهمتهم، تعجبت لا بسبب خبر الاعتقال بحد ذاته، بل بسبب الطريقة التي صيغ بها الخطاب. فبدل توضيح الوقائع بنى سردية جاهزة تبدأ بالمظلومية، وأضاف امتيازاته التي يرى انها ترقيه به ليكون أعلى من الآخرين مرتبه! مثل التفوق الأكاديمي، والعائلات المعروفة، والوطنية المصادرة، وصولًا إلى تبرير مواقف فكرية ودينية، ليُدفع المتلقي إلى نتيجة واحدة: ظلمٌ خالص وضحايا رأي.
و هنا لا نكون أمام شرح، بل أمام توجيه، المفارقة أن كاتبًا يفاخر بأن أعماله نوقشت في جامعات تحترم الاختلاف، يُقدَّم في خطابه موقفًا إقصائيًا تجاه عيد ديني يؤمن به قرابة ملياري إنسان وأهل نفس الجامعات التي تناقش كتبه! . والسؤال الذي يتجاهله الخطاب عمدًا هو: هل نحن أمام نقاش فكري، أم أمام خطاب عام موجّه يحمل حكمًا إقصائيًا تجاه جماعة دينية أخرى؟

حين يُقال إن الطلبة كانوا يفكرون بإطلاق "حملة توعوية” حول الحكم الشرعي للاحتفال بالكريسماس او عيد الميلاد، فالأمر يتجاوز نقاشًا فقهيًا داخليًا إلى مشروع خطاب عام، يتعامل مع مناسبة دينية راسخة وكأنها ظاهرة موسمية طارئة، ويعيد إنتاج ثنائية نحن/هم في الفضاء الجامعي والمجتمعي.

تكمن المشكلة في وهمٍ شائع لدى بعض المثقفين: الاعتقاد بأن تراكم المعرفة يمنحهم ولاية فكرية أو أخلاقية على الآخرين. فالوعي ليس امتيازًا، ولا يُقاس بكمّ الثقافة أو ثقل العائلة أو المكانة الاجتماعية، بل بالقدرة على وزن الأفكار، واحترام التعدد، والتمييز بين النقد والفَرض. الفكر لا يُقاس بالنوايا، بل بأثره.

أما استدعاء التفوق الأكاديمي والمكانة الاجتماعية في سياق الدفاع، فهو إشكال أخلاقي بحد ذاته:
هل تمنحنا الشهادات حصانة من المساءلة؟ وهل تصبح المواطنة منّة تُذكَر لا واجبًا يُمارَس هذا النوع من الخطاب يربك وعي الشباب، خصوصًا أولئك الذين يبحثون عن تفسير لمعاناتهم أو فشلهم، فيجدون في الخطاب الاستعلائي سندًا نفسيًا لا وعيًا نقديًا.

هنا تتحول السلطة الثقافية، حين تُستخدم دون تبسيط أو تهذيب، إلى أداة فئوية تشبه المال والنفوذ: لا ترفع وعي المجتمع، بل تُعيد تشكيله على أساس الإقصاء. فالوعي، كما الجهل، قد يصبح خطرًا إذا أُصيب بعمى الامتياز.

الخطاب الاستعلائي في الجامعات لا يكون دائمًا صاخبًا أو عنيفًا بل غالبًا يكون هادئًا، مؤطّرًا، ومقنعًا حيث انه يُقدَّم فكرًا مكتملًا، بينما هو في جوهره خطاب موجّه نحو الانقسام وتعزيره وهنا وجب ان نفكر لحظة في مسالة التأثير على الشباب ليصبحوا عرضة للاستقطاب الطائفي التكفيري فيا ليتنا نستطيع تسمته بالتبشيري لكن احترام لرأي ندافع معه عن حقهم في التعبير لكنه اخذ لونا من الوان تقطر تحريضا علي فكرة تقبل الاخر وهي جوهر خلق الله تعالى الناس فرق وجماعات والوان ولغات وديان فلماذا يريدون إسقاط ما شاءه الله مثلا.
وهذا بالطبع سيؤثر اجتماعيا ويضعف الحوار المدني، ويحوّل الكراهية إلى ممارسة يومية، لا تبقى في حدود الكلام، بل تُنتج تمييزًا وسلوكًا إقصائيًا، كما تفسّره نظريات التعلم السلوكي.

ان الدولة اليوم لا تُحاسب النوايا، بل الخطاب حين يهدد السلم المجتمعي ولو تركتهم طلقاء لكتبت فيهم نقدا أشد قسوة فالسلم المجتمعي اكثر أهمية من تنظير ثلة ترى في نفسها الحق في كل شيء الا ان تحترم الاختلاف، والمشكلة ليست في التفكير أو الاختلاف بحد ذاته بل في الإصرار على خلط الحدود بين الفكر والتحريض، وبين الحرية والمسؤولية بين الوعي والفهم وهنا يبدأ الانزلاق الحقيقي: حين يصبح الفكر امتيازًا، والنقد جريمة، والتحريض حقًا مكتسبًا، ويُطلب من المجتمع أن يبتلع الكراهية باسم حرية الرأي.

#نور_الدويري
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير