د. وليد العريض يكتب:غزة… حين يصير الصبر بطولة ويصير العالم جريمة
نبأ الأردن -
ريشة: الفنان محمد الدغليس
كلمات : د. وليد العريض
...
هؤلاء ليسوا فقراء…
هؤلاء أشراف الصبر.
ليسوا منكوبين… بل مفضوح بهم هذا العالم.
في هذه اللوحة، لا نرى أهل غزة فقط، بل نرى سقوط الإنسانية كاملًا.
نرى البشر وهم يُختبرون، فننجح نحن في الخذلان وينجحون هم في الصبر.
نرى الجوع واقفًا بكرامة، والبرد محتشمًا أمام عيونٍ لم تنكسر
ونرى في المقابل عالمًا مترفًا سمينًا، جبانًا
يملك كل شيء… إلا الشرف.
أهل غزة في اللوحة لا يمدّون أيديهم
بل يمدّون التاريخ.
لا يطلبون شفقة
بل يقدّمون محاكمة مفتوحة لكل دولة (الا ما رحم ربي) وكل نظام، وكل مؤسسة
لكل عربي ومسلم ودولي
نام وترك الأطفال ينامون في العراء.
هذه ليست لوحة نزوح…
هذه إدانة بصرية.
ليست مشهد شتاء…
بل فضيحة كونية.
غزة هنا لا تشكو الطقس
غزة تشكو الإنسان.
تشكو عالمًا يتقن الكلام عن حقوق الإنسان
ولا يحتمل رؤية إنسانٍ حقيقي.
تشكو أنظمةً عربية تحفظ أسماء الفنادق
وتنسى أسماء المخيمات.
تشكو إسلامًا رسميًا مزيّفًا
يرفع الشعارات
ويترك الأرامل والأطفال تحت المطر.
في عيون الغزيّين صبرٌ لو وُزّع على هذا العالم
لأنقذه من انهياره الأخلاقي.
وفي خطواتهم المرتجفة كرامةٌ
تسحق كل خطابات القمم
وتبصق على كل بيانات الإدانة الباردة.
أما العالم…
فهو في اللوحة غير مرسوم
لأنه لا يستحق الظهور.
هو حاضر فقط كعارٍ غير مرئي:
كصمت
كتأجيل
كمؤتمرٍ لم يُعقد
وكقرارٍ قيد الدراسة
بينما الأطفال قيد الموت.
الدغليس لم يرسم مأساة
بل كشف جريمة.
جريمة يتقاسمها الاحتلال أولًا
ثم كل من صمت
وكل من تواطأ
وكل من اكتفى بالمشاهدة
وكأن الدم الفلسطيني مادة ترفيه سياسي.
والعريض لا يكتب هنا أدبًا
بل شهادة اتهام.
اتهام لعالمٍ خان إنسانيته
وخاف من غضب القتلة،
فآثر أن يغضب الله…
وأن يترك غزة وحدها.
هذه اللوحة تقول بلا تلطيف:
غزة ليست مأساة،
غزة مرآة.
ومن لا يحتمل النظر إليها
فليعلم أن وجهه هو القبيح.
أبدع الدغليس لأنه صدق
وأبدع العريض لأنه سمّى الأشياء بأسمائها
لكن العظمة الحقيقية
لهؤلاء الواقفين في البرد
الجائعين بلا انكسار
المهجّرين بلا خنوع
الذين علّموا العالم معنى الصبر…
وكشفوا له، في الوقت نفسه،
أنه عالم بلا عذر.

























