د. فاطمة النشاش تكتب: لا أحد يعرف قصتي كاملة

{title}
نبأ الأردن -
يكفي أن يراك الناس في لحظة معيّنة، أو يسمعوا طرف حكاية عنك، حتى يظنّوا أنهم فكّكوا شيفرة حياتك.. يتعاملون معك كما لو أنك مشهدٌ واضح، وليس كيانًا متشابك الطبقات.. يضعونك في خانة، ويلصقون بك صفة، ويخرجون مطمئنين أنهم فهموك.. لكن الإنسان ليس صورة ثابتة… بل طبقات تتجاور، وتتداخل، وتتناقض أحيانًا.. وليس موقفًا واحدًا… بل تاريخ كامل من الخسارات والصمود ومحاولات النجاة الصامتة.
في داخل كل واحدٍ منا فصلٌ مختبئ لا يقرأه أحد.. نظهر صفحة، ونُخفي مئة.. نمشي بثبات بينما تتعثر أعماقنا في حفرٍ لا يراها سوانا.. نبتسم ليس لأن الحياة خفيفة، بل لأننا نتقن احترام المعركة التي نخوضها وحدنا.. ومع ذلك، يصرّ الناس على أنهم يعرفوننا، فقط لأنهم شاهدونا في لقطة عابرة، أو سمعوا رواية ناقصة عنّا..
الحقيقة العميقة هي: لا أحد يعرف قصتي كاملة.
لا أحد يعرف لماذا اخترتُ الصمت في لحظاتٍ كان الكلام فيها خلاصًا لي.. ولا أحد يدرك تلك القوة التي جمعتُها من لحظات انكسارٍ لم يرها أحد.. ولا أحد كان معي حين وقفتُ على الحافة ورجعتُ للحياة لأن صوتًا خافتًا بداخلي همس لي: "لم ينتهِ دورك بعد."
قصتي ليست بطولةً مستمرة، ولا هزيمةً كاملة.. قصتي خليطٌ من رغبات مؤجلة، وخيبات صقلتني بدل أن تُسقطني، وخيارات اتخذتُها وقلبي يرتجف.. قصتي هي تلك النظرة التي تجاهلتُ بها الإساءات كي لا أُشعل حربًا لا أريدها، وذلك القرار الذي تأخر لأن الخوف كان يسبق الشجاعة بخطوة.. هي الضحكة التي رفعتها في وجه العالم بينما كنت أُرمّم الداخل بصمت.
وحين يظن أحدهم أنه يعرفني من كلمة، أو يفهمني من مشهد، أبتسم.. ليس تحديًا… بل رحمةً بي وبهم..
فما خفي من قصتي أكبر بكثير مما ظهر، وما رأوه مني لا يتجاوز غلاف كتابٍ لم يُفتح بعد.
أنا وحدي أعرف المسودة الكاملة لحكايتي.. أعرف بداياتها المهتزة، ومنعطفاتها القاسية، وفصولها التي كُتبت بالدمع لا بالحبر.. أعرف نسختي التي ماتت.. ونسختي التي وُلدت بعدها.. أعرف جهدي، وصمتي، وتصالحاتي الصغيرة التي صنعت سلامي الأخير.
قد لا يعرف أحد قصتي كاملة… لكنني أحملها بمحبة، وأصالحها بشجاعة، وأكتب فصولها القادمة بوعيٍ امرأة تعرف تمامًا من تكون، وإلى أين تريد أن تصل... وهذا، في النهاية، يكفيني ويكفي قصتي.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير