د. وليدِ العريض يكتب:الغابةُ التي لا يُستجابُ فيها الدُّعاء

{title}
نبأ الأردن -
حينَ قرَّرَ التمساحُ أن يُطعِمَ الحيواناتِ بالخرائط

في ذلكَ الصباحِ لم تستيقظِ الغابةُ على زقزقةِ الطيور،
بل على نشرةِ إنجازاتٍ تلاها التمساحُ بنفسه
واقفًا على صخرةٍ عالية
يرتدي وسامًا أكبرَ من رأسه،
ويشيرُ بمخلبيهِ إلى لوحاتٍ ملوَّنةٍ لا يفهمُها أحد.
قالَ التمساحُ وهو يبتسمُ ابتسامةً فرعونيَّة:

أيُّتها الحيوانات…
لقد بنيتُ لكم مستقبلًا لا يُؤكَل
لكنَّه يُشاهَدُ من الجوّ!
صفَّقَ الضباع.
صفَّقوا لأنَّ التَّصفيقَ أقلُّ ألمًا من الصَّمت.

1. اقتصادُ القُشور
في الغابةِ الجديدة
لم يعُدِ الطَّعامُ يُقاسُ بالحبوب
بل بالقُشور:
قِشرةُ مشروع
قِشرةُ مدينة
قِشرةُ قناة
وقِشرةُ وعد.

أمّا اللُّبّ؟
فقد حُجِزَ في مخازنِ الجيش.
النَّملُ يعملُ ليلًا ونهارًا
لكنَّ حصَّتَه لا تكفي ليشرحَ لأطفاله
لماذا ما زالوا جياعًا
في غابةٍ تُبهِرُ العالم.

2. مدينةٌ لا تعرفُ أسماءَ سكّانها
بنى التمساحُ مدينةً في الصحراء
سماها عاصمةَ الغابةِ الجديدة،
لكنَّ الحيواناتِ لم تجد طريقًا إليها
ولا ثمنَ العيشِ فيها،
ولا سببًا لوجودها.
مدينةٌ بلا فقراء،
لأنَّ الفقراءَ ممنوعون من الدخول.

قالَ ثعلبٌ ساخر:
هذه ليست مدينة…
هذه صورةٌ جماعيَّةٌ للسُّلطة.

3. الجيش… حينَ قرَّرَ أن يكونَ كلَّ شيء

في الغابة
لم يعُدِ الجيشُ يحمي الحدودَ فقط،
بل صار يبيعُ العسل
ويحدِّدُ سعرَ الحليب
ويختارُ لونَ الجدران
ويقرِّرُ متى تبتسمُ الحيوانات
ومتى تختفي.

قالت بومةٌ حكيمة:
حينَ يتحوَّلُ الحارسُ إلى تاجر
تصبحُ الغابةُ زبونًا… لا وطنًا.
تمَّ نقلُ البومةِ إلى شجرةٍ بلا ظلّ.

4. سرعةٌ بلا ذاكرة
المشاريعُ تُنجَزُ بسرعة
كأنَّ الغابةَ تهربُ من سؤالٍ ما.

لا دراسات
لا حساب
لا نقاش.
أنجِز أوّلًا…
وفكِّر لاحقًا…
إن بقي وقت،
أو بقي أحد.

الخُلدُ الذي حفرَ الأنفاقَ قال:
حفرنا أسرعَ ممّا فكَّرنا،
والآن لا نعرف
هل الأنفاقُ تمرُّ تحتَ الغابة
أم تحتَ مستقبلها.

5. أقفاصٌ على مقاسِ الصَّمت
في أطرافِ الغابة
أقفاصٌ نظيفة
مرتَّبة
لا يُسمَعُ منها صراخ.

قالَ التمساحُ بفخر:
هذه مراكزُ إعادةِ تأهيل.
لكنَّ الحيواناتِ كانت تعرف:
من يدخلها
يخرجُ إمّا صامتًا
أو مقتنعًا
أو لا يخرج.

6. أصدقاءُ من خارجِ الغابة
تزورُ الغابةَ وفودٌ أنيقة
تصافحُ التمساح
تلتقطُ الصُّور
وتقول:
نُقدِّرُ استقرارَ الغابة.
ثمَّ ترحل
وتتركُ الحيوانات
تحسبُ الدُّيون
وتبيعُ ما تبقّى من الرِّيش.

الدُّيونُ تكبر
والغابةُ تُقزَّم.

7. الدُّعاءُ الذي لم يعُد يخرجُ من الحناجر
في اللَّيل
تجتمعُ الحيواناتُ للدُّعاء
لكنَّ الدُّعاءَ لا يصعد.
ليس لأنَّ السَّماءَ مغلقة
بل لأنَّ الخوفَ أثقلُ من الكلمات.
قالت سُلحفاةٌ عجوز:
حينَ يحتاجُ الدُّعاءُ إلى تصريح
فاعلموا أنَّ الغابةَ انتهت.

وختامًا:
التمساحُ لا يرى الجوع،
لأنَّه يعيشُ فوقه.
ولا يسمعُ الغضب،
لأنَّ المخالبَ أعلى صوتًا.

لكنَّ الغاباتِ لا تنفجرُ فجأة،
بل تتشقَّقُ ببطء،
حين يُطعِمونها خرائط،
ويمنعون عنها الخبز.

وفي الغابةِ التي لا يُستجابُ فيها الدُّعاء،
لم يعُدِ السُّؤال:
هل ستقعُ الكارثة؟
بل:
من سيكونُ آخرَ من يصفِّق؟
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير