عبدالله بني عيسى يكتب :حين يصبح التنمّر فضيلة

نبأ الأردن -
موجة من التعليقات المسمومة، تفيض بالتشفي والتنمر على ضحايا "الميثانول"، شهدناها في اليومين الماضيين، فكأن ثمة من أوكل إلى نفسه سلطة تقرير مصائر الناس بعد رحيلهم، متناسياً الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء، ومتحولاً إلى قاضٍ وجلاد على منصة افتراضية.
ما جرى لا يبرر لأي شخص أن ينزع عن الضحايا إنسانيتهم وهم يغادرون الحياة، أو أن يلبسهم ثوب العار في اللحظة التي يحتاجون فيها إلى دعاء الرحمة وحدها.
اللافت أن هذا الحماس المزعوم للفضيلة يغيب في مواجهة سلوكيات مجتمعية يومية تمس حياة الناس وكرامتهم بشكل مباشر، فلا نجد الأصوات ذاتها تنتفض على الكذب، أو التحرش، أو انتهاك حقوق النساء، أو الغش أو السرقة، أو الاعتداء على حقوق الآخرين في الطريق أو الهواء أو أبسط مظاهر الحياة اليومية. تبدو الفضيلة في هذه الحالات انتقائية، موسمية.
يتساءل المرء: لماذا لا تنعكس هذه الكميات المهولة من "الفضيلة" على سلوك الكثيرين في المجال العام؟ لماذا لا يظهر في التزام سائق التاكسي بإعادة بقية الأجرة للراكب، أو في عدم طلب موظف ما "المعلوم" مقابل إنجاز المعاملة، أو في حرص المدخن على عدم إيذاء الآخرين بدخانه، أو في التزام الجميع بالنظام في الطريق، أو حتى في الامتناع عن رمي القاذورات في الشوارع؟ لماذا يصر البعض على التعامل مع التدين باعتباره طقوساً شكلية، لا تلامس تفاصيل السلوك اليومي، بينما لا نجد حرجاً في ممارسة التعدي على حقوق الآخرين وكرامتهم بلا هوادة؟
يبدو استدعاء "الفضيلة" إلى النقاش العام سهلاً حين لا يكلف جهداً: تغريدة متشفية أو غاضبة، منشور متشنج، شتيمة أو لعن، فيما يغيب الالتزام بالقيم الحقيقية للدين: الصدق، الأمانة، احترام الآخرين، العدل، الإحسان، الرحمة، والإنصاف.
الدين أجلّ مكانةً من استخدامه أداة للتنمر على من نختلف معهم، ولا وسيلة لتبرير قسوتنا.
دع أمر الناس إلى خالقهم، وركّز على إصلاح ذاتك وسلوكك في التفاصيل اليومية الصغيرة التي تصنع الفارق في حياة الآخرين، قبل أن تنصّب نفسك وصياً على أرواحهم أو حارساً على أفعالهم. فربما يكون هذا المسار الصعب هو المدخل الحقيقي للإصلاح الذي نحتاجه جميعاً، للخروج من دائرة التنمر المغلّف بالفضيلة، نحو مجتمع تسوده الرحمة والقانون والعدالة.