د. وليد العريض يكتب: نتنياهو في دور هاملت: عندما تفقد الصهيونية نصّها وتربح طهران زمام الحكاية

نبأ الأردن -
في كل موسم سياسي مضطرب تعود إسرائيل لتقديم عرضها المألوف بعنوان: "سنقصف إيران". عرضٌ طويل استُهلك حتى فقد جمهوره وأصبح نقّاده يراجعون ما تبقى من أوراقهم بنصف وعي. تختلف الشخصيات تتغير الأزياء، ويزداد الصخب لكن النصّ ذاته يُعاد بلا نهاية وكأنما التاريخ مجرّد مسرحية عالقة في المشهد الأول.
إسرائيل، التي حاولت تصدير وهم "الردع الأبدي"، تواجه اليوم مأزقًا داخليًا وأخلاقيًا واستراتيجيًا لا تحله الطائرات ولا الاغتيالات. فهي التي انسحبت من غزة تحت وابل من نيران المقاومة لا تزال تروّج لانسحابها كـ"مناورة مدروسة" في محاولة يائسة لقلب الهزيمة إلى نصر وهمي. يشبه الأمر رجلًا يقفز من سفينة محترقة ثم يدّعي أنه يمارس السباحة الوقائية.
من جهة أخرى تستمر آلة الاغتيال في اجتزاء العلماء الإيرانيين كما لو أن مشروعًا بهذا الحجم يمكن تحجيمه بعملية ميدانية. لا تفهم العقلية الصهيونية أن طهران لا تدفن شهداءها في صمت بل تُحوّل قبورهم إلى مدارس أن تضرب رأسًا في إيران لا يعني سقوط الجسد بل انقسامه إلى رؤوس متعددة.
الرهان على اضطرابات داخلية في إيران تكرارٌ لمسرحيات فاشلة كتبها الموساد بتفاؤلٍ مرضي. إيران ليست نموذجًا غربيًا ليبراليًا هشًا بل كيان عقائدي مركّب يحترف اللعب تحت الضغط ويحوّل الحصار إلى شرعية والصراع إلى إعادة تشبيك للهوية الوطنية.
أما الحديث المتكرر عن استهداف المنشآت النووية فهو استعراض فارغ في زمن لم تعد فيه القوة الجوية وحدها تضمن الهيبة. المنشآت النووية الإيرانية، المتناثرة على عمق جغرافي صلب لا يمكن قصفها كأنها خيام مؤقتة. اليورانيوم هناك ليس مجرد مادة بل إرادة وطنية تم تخصيبها بتجربة طويلة من المواجهة.
صرخات "الذئب الإيراني" التي ترددها إسرائيل منذ عقدين لم تعد تقنع أحدًا. الذئب لم يأتِ، لكنه لم يختفِ أيضًا. بل واصل صقل مخالبه، ببطء وذكاء وبعين لا تنام. وفيما تسعى واشنطن وتل أبيب لتأجيل انفجار ما تُعيد طهران تشكيل التوازن الإقليمي بأدوات لا تصدر صوتًا، لكنها تُحدث فرقًا.
وفي نهاية كل جولة تعود القوى الكبرى لطاولة مفاوضات مملة يرتدي فيها الجميع ربطة عنق ووجهًا دبلوماسيًا بينما الحقيقة في مكان آخر: في مخازن أجهزة الطرد المركزي، وفي تنامي الردع الإقليمي وفي تراجع الثقة الدولية بالرواية الإسرائيلية المتكررة.
وختاما لم تعد القضية في "إيران النووية" بقدر ما هي في إسرائيل المرتبكة. فالمعضلة الحقيقية تكمن في أن الرواية الصهيونية فقدت حبكتها، وأن بطلها – الذي يؤدي دور هاملت بلا روح شكسبيرية – لم يعد يصدّق نفسه. أما طهران؟ فقد تجاوزت خشبة المسرح وباتت تكتب النص الجديد لا بالحبر بل بالتقنية والردع والعقيدة.