ميسر السردية تكتب:بطانة وفطانة

نبأ الأردن -
يروي سليمان النابلسي في مذكراته (ص 177) هذه الحكاية الطريفة التي تكشف كثيرًا عن عقلية بطانة الحاكم وفطنة الحاكم لتملق بطانته.
في يومٍ من الأيام، كان الأمير مدعوًا عند عمي الحاج فوزي في بيتنا بعمان، وجاء بمعيته "أ، ب، د"، وبدأوا يتندرون ويأكلون على مهل. فذكر أحد الحضور أن امرأة الشيخ كامل القصّاب توفيت في دمشق، وكان القصّاب من رجال الرعيل الأول الذين سافروا إلى معان لاستقبال الأمير عندما قدم من الحجاز، ولاحقًا عمل في السعودية، وانقطعت معه الصلات.
ذكر أحد الحضور حادثة الوفاة، فقال الأمير:
ــ رحمها الله، والله إنه رجل كان إلى جانبنا في فترة من الزمان، وواجبنا أن نكرمه فنُرسل برقية تعزية.
فقال السيد "أ":
ــ سبحان الله! أصالتك لا يمكن أن تفوتك. كم تجبر خاطرهم هذه البرقية التي، عندما يتلقونها، ستعود بهم الذكرى إلى أيام النضال الأولى من أجل القضية، وستثلج صدور أقاربه ومعارفه.
ثم قال السيد "ب":
ــ من أين جئتَ بهذه الفكرة النّيرة؟ سبحان الله، بارك الله فيك! إنك تعرف أن تضع السيف في موضع الندى، وتضع الندى في موضع السيف.
ثم أردف السيد "د":
ــ يا سيدي، أنا قرأت كتب الأولين والآخرين، وما رأيت لفتة كريمة مثل هذه اللفتة! برقية؟ يا سلام! سيتحدثون عنها في الدواوين، ويقرؤونها، ويقولون: هذا ابن الرسول لم ينسَ فضل المجاهدين.
سكت الأمير قليلًا، ثم التفت إلى جلسائه وقال:
ــ أظن أنه مضى الوقت على البرقية؛ لقد ماتت السيدة منذ أسبوع. ما رأيكم أن نبعث برسالة؟
فقال السيد "أ":
ــ صدقت يا سيدي، الرسالة نضع فيها ما لا يُعلَن للناس. سبحان الله! كيف خطر ببالي أن نستبدل الرسالة بالبرقية؟!
ثم قال السيد "ب":
ــ في الرسالة تضع ما تشاء، تُجبر الخواطر، بينما البرقية تصبح أمرًا مبتذلًا، يقرؤها الناس في السوق وفي الدواوين...
ثم تحرّك السيد "د" وقال:
ــ يا سيدي، أملِ عليّ؛ لن يوجد ما يعوّض خسارتهم مثل هذه الرسالة الملكية التي سنذكر فيها ما نشاء.
تناول الأمير شيئًا من الطعام، ثم التفت إلى الحضور وقال:
ــ يا إخوان، لقد فات الأوان، وليس من اللائق أن تُنكأ الأحزان بعد مرور وقت على وفاة السيدة، ومن الأفضل ألّا نبعث لا برقية ولا رسالة.
وهنا قال السيد "أ":
ــ يا الله! لا ينطق عن الهوى طبعًا. ما علاقتنا نحن بالأمر؟ شخص خدمنا في الماضي، ولم تعد لنا به صلة. ما أغنانا نحن عن مثل هذه التدخلات التي لا تغنينا...
وعلّق على ذلك السيدان "ب، د" بما هو أكثر فأكثر.
ملاحظة: أسماء أشخاص البطانة المعنيين بالقصة مذكورة في الكتاب، ولكن تصرّفتُ بالرمز لهم بأحرف فقط.
وتظلّ البطانة المتملّقة تتكاثر، رغم دعاء خطباء المنابر للنجاة منها منذ القِدَم.