علا الشربجي تكتب : الفرح الذي يتحوّل إلى معركة: الدولة والإخوان في المشهد المصري-الأردني

نبأ الأردن -
الكراسي تتطاير، الأرجيلة تُقذف، والمطاوي تلمع… لا، نحن لا نصف مشهداً سينمائياً، بل نرسم خطّ المواجهة بين الدولة وجماعة تُتقن الفوضى.
في الحياة السياسية، كما في الأفلام الشعبية، ثمّة مشهدٌ يتكرّر. يبدأ الحدث باحتفالٍ جماهيري، خطابٌ رسمي عن "المصالحة الوطنية”، أو عن "الفرصة الأخيرة”، والكلّ يتبادل التهاني، والأنغام تعلو، وأصوات الإعلام تمجّد اللحظة، وكأن البلاد على أعتاب عهدٍ جديد. العروس هي الدولة، والعريس قد يكون الشعب، أما الضيوف فكثير منهم مقنّعون: إسلاميون سابقون، معتدلون يدّعون الحكمة، أو "مصلحيون” يشبهون الفتوات في أول الفرح.
لكن، ما إن تكتمل "الزفّة السياسية”، حتى تنفجر اللحظة. نظرةٌ شاردة من الدولة نحو تاريخ الجماعة، كفّ من الجماعة على كتف الدولة في لحظة ضعف، أو غمزة دولية تُفسَّر خطأ، فتشتعل المواجهة. لا أحد يعرف من بدأ أولاً، لكن الجميع ينخرط. الإعلام يصرخ، القيادات تلوّح بالولاء، والشباب يُزجّ بهم في المعركة كأنهم زينة المرحلة.
تبدأ الفوضى: بيانات نارية، اتهامات متبادلة، اعتقالات هنا، تسريبات هناك. الكراسي السياسية تتطاير، الرموز تُكسَر، والبنية الاجتماعية تُستَخدم كسلاح. وتحت هذا الضجيج، يظهر "السلاح الثقيل”: خطاب التخوين، وشيطنة الآخر، وقانون الطوارئ المتخفّي في فستان ديمقراطي.
النساء – أي المجتمع المدني – يهربن من المشهد وهنّ يصرخن: "يا لهوي!”، والمراقبون الدوليون يزحفون تحت الطاولات. ويصرخ أحدهم من الخارج: "حقوق الإنسان!”… لكن الكهرباء تنقطع، وتغرق السياسة في ظلامٍ دامس، لا يضيئه سوى ضجيج الانقسام.
وفي النهاية، كما في الفيلم، تجتمع الدولة والجماعة في "قسم الشرطة السياسي”: كل طرف يتهم الآخر بأنه خرّب الفرح. الفتوات – أي الموالين المتشددين – يتحدثون عن مؤامرة، العوالم – أي الإعلام – يحاولون خلق نهاية درامية، وخال العروسة – أي المؤسسة البيروقراطية – لم يكن يدري ما يحدث أصلاً.
لكن السؤال يبقى: لماذا يتكرر هذا المشهد؟
هل لأنّ الصراع بين الدولة والإخوان يختزل العبث الكامن في بنية السلطة والمعارضة معاً؟
أم لأن الفوضى السياسية، حين تنفجر، تتيح لكل طرف أن يصرخ دون حرج، ويُسقِط الكراسي بدل الأفكار؟
أم لأن هذا المشهد، بكل ملامحه، يُشبهنا أكثر مما نحب أن نعترف؟
ربما، كما في السينما، نحن لا نُحب الفرح إلا إذا سبقته كارثة. وربما، في لاوعينا السياسي، لا نؤمن بفرحٍ لا يسبقه "خناقة”.
لكن الدولة، هذه المرّة، لم تعد تضحك في النهاية.
لقد قررت أن تغلق باب القاعة، وتكنس بقايا المعركة، وتعيد ترتيب الطاولات.
لم تعد تقبل أن يُخرب كل فرح تحت ذريعة "اللحظة الثورية”.
ولا أن تُذبح كل محاولة استقرار بسكين الشعارات القديمة.
الدولة – بعد كل ما جرى – فهمت أن الحزم ليس عيباً، وأن مواجهة الفوضى ليست قمعاً، بل عدالة.
ومن أراد أن يعود إلى الفرح، فليأتِ بدون مطواة.