وائل المنسي يكتب: حقبة ما بعد الديمقراطية

{title}
نبأ الأردن -


الأحزاب عليها أن تعيد إبتكار نفسها

تشهد الأنظمة الديمقراطية في أوروبا والعالم العربي تحولات عميقة تعكس دخولنا في "حقبة ما بعد الديمقراطية"، حيث تتراجع القيم الديمقراطية التقليدية أمام تصاعد الشعبوية، وتنامي السلطوية، وغياب عقد اجتماعي واضح.
في هذا السياق، تفقد الديمقراطية فعاليتها، وتصبح شكلية، بينما تتحكم النخب وأصحاب المصالح في السياسة والاقتصاد.
وتعاني الأحزاب التقليدية من تراجع شعبيتها، ما يدفع الناخبين للبحث عن بدائل غير تقليدية، بينما تستغل الحركات الشعبوية الإحباط الشعبي بتقديم وعود غالبًا ما تكون غير قابلة للتنفيذ.
في الوقت ذاته، تشهد العديد من الدول تراجعًا في الحريات السياسية، مما يعيد إنتاج أنماط سلطوية جديدة، وسط فقدان الثقة بين المواطنين والدولة، وغياب آليات واضحة لإعادة بناء العقد الاجتماعي.

في أوروبا، تصاعدت الشعبوية نتيجة الغضب من العولمة، والهجرة، والأزمات الاقتصادية، حيث استخدم القادة الشعبويون وسائل التواصل الاجتماعي لحشد الدعم ضد المؤسسات التقليدية.

أما في العالم العربي، فقد أسفرت الثورات عن مزيج من السلطوية وعدم الاستقرار، ما وفر بيئة ملائمة لنمو الحركات الشعبوية سواء عبر الإسلام السياسي أو القوى العسكرية.
غالبًا ما تعمل الشعبوية على إضعاف
الديمقراطية من الداخل، حيث يستغل الشعبويون آلياتها للوصول إلى السلطة، ثم يقوضونها عبر تقييد الإعلام، وإضعاف المؤسسات، وشيطنة المعارضة، مما يفرز أنظمة هجينة بين السلطوية والديمقراطية الشكلية.

في ظل هذا الوضع، لم يعد العقد الاجتماعي في العديد من الدول مستدامًا، إذ تعجز الحكومات عن توفير الخدمات الأساسية، مما يضع شرعيتها محل تساؤل.
وأمام ضعف الأحزاب، برزت الحركات الاجتماعية كبديل مهم، لكنها تفتقر إلى هيكلة واضحة تجعلها غير قادرة على تقديم مشروع سياسي متكامل.
في الوقت نفسه، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا ذا حدين، حيث ساهمت في تسهيل الوصول إلى المعلومات وإعطاء صوت للفئات المهمشة، لكنها عززت أيضًا انتشار الأخبار الزائفة، والاستقطاب، والتلاعب بالانتخابات. أما الذكاء الاصطناعي، فبات أداة قوية للتأثير في الرأي العام، حيث تستخدمه الحكومات لمراقبة المواطنين والتحكم في المجال السياسي.

رغم التحديات، لم تنتهِ الديمقراطية تمامًا، ولا تزال هناك مقاومة ضد التراجع، سواء من المجتمع المدني أو بعض الأحزاب الإصلاحية.

ومن المحتمل أن نشهد نماذج ديمقراطية جديدة تتكيف مع العصر الرقمي، ولكن على الأحزاب السياسية أن تعيد ابتكار نفسها من خلال تحديث استراتيجياتها واحتضان التكنولوجيا بدلًا من مقاومتها.
قد يكون الحل في تبني الديمقراطية الرقمية، التي تتيح مشاركة سياسية أوسع عبر المنصات الإلكترونية.

 وتمر الديمقراطية حاليًا بمنعطف حاسم، وستكون السنوات المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت ستتطور أم ستواصل التراجع أمام موجة السلطوية الجديدة.

وائل منسي
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير