أ.د مخلد سليمان الطراونه يكتب: نحو اقتصاد مستقل لتجاوز محنة المساعدات الخارجية؟

{title}
نبأ الأردن -
الكويت - يواجه الأردن تحديًا اقتصاديًا يتمثل في اعتماده النسبي على المساعدات الخارجية، وهو ما يفرض ضغوطًا على السيادة الاقتصادية للدولة. ورغم الظروف الجغرافية وقلة الموارد الطبيعية، إلا أن الأردن يمتلك العديد من المقومات التي تؤهله لتحقيق الاستقلال الاقتصادي عبر تبني استراتيجيات تعتمد على الابتكار، الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر الدخل. لكن نجاح هذه الاستراتيجيات يعتمد بشكل أساسي على التنفيذ العملي، من خلال سياسات حكومية واضحة، ودعم مجتمعي، واستثمار طويل الأمد في القطاعات الحيوية. ولبناء اقتصاد مستقل من رحم ازمة كانت متوقعه منذ عقود فلعلي اجتهد بالتنويه لبعض نقاط تم استخدامها في اقتصاديات عالمية واتت بنتائج واضحة للعيان فليست تجربة البرازيل ببعيدة عن ذلك ولا تركيا ولا روندا. فلو اتبعنا خطوات التعزيز الاقتصادي من حيث:-
1- تعزيز الإنتاج المحلي وتنويع الاقتصاد
يُعد تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاستيراد الخطوة الأولى نحو بناء اقتصاد قوي ومستدام. ولتحقيق ذلك فان السياسات الاقتصادية المطلوبه تتركز فيما يلي:-
•سياسات دعم الزراعة حيث يجب على الحكومة توفير حوافز ضريبية للمزارعين الذين يعتمدون على تقنيات حديثة للزراعة المستدامة، إضافة إلى تقديم دعم مالي مباشر للمشاريع الزراعية ذات الأولوية.
•تعزيز الصناعة الوطنية وذلك من خلال تشجيع الاستثمار في الصناعات التحويلية من خلال منح إعفاءات ضريبية للشركات التي تستخدم المواد الخام المحلية، وتقديم قروض ميسرة للمشاريع الصناعية الناشئة.
•إستراتيجية الطاقة المتجددة:وذلك بوضع وتبني سياسات تحفز القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع تسهيل إجراءات الترخيص وتقليل تكاليف التمويل لهذه المشاريع.
2- دعم ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي
في ظل الثورة الرقمية، أصبح الاستثمار في التكنولوجيا وريادة الأعمال عنصرًا أساسيًا في تحقيق الاستقلال الاقتصادي، ويمكن للأردن الاستفادة من هذا التحول من خلال:
•تطوير بيئة تنظيمية مرنةمحورها تعديل القوانين والإجراءات البيروقراطية لتسهيل تسجيل الشركات الناشئة.
•تطوير قطاع التكنولوجيا من خلال الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، البرمجة، وخدمات التكنولوجيا والذي يسهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة العائدات من قطاع تصدير الخدمات الرقمية.
•إنشاء صناديق تمويل لريادة الأعمال لتقديم برامج تمويل تدعم الأفكار المبتكرة، مع توجيه نسبة من الميزانية العامة نحو دعم المشروعات التكنولوجية.
•التوسع في التعليم الرقمي بإدخال مناهج تعليمية متقدمة في البرمجة والتكنولوجيا الرقمية في المدارس والجامعات، لضمان توفير كوادر مؤهلة لدعم نمو هذا القطاع.
ولضمان التطبيق الفعلي لهذه الاستراتيجيات، ينبغي إنشاء مناطق حرة تكنولوجية، ودعم الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص لتوفير تدريب عملي وتأهيل الشباب لسوق العمل الرقمي.
3- تنشيط قطاع السياحة واستغلال المواقع الأثرية
يمتلك الأردن كنوزًا أثرية وسياحية مثل البتراء، البحر الميت، وجرش، وغيرها عبر مساحات الوطن مما يؤهله ليكون وجهة سياحية عالمية. ولتعزيز السياحة، يمكن اتخاذ خطوات عملية تشمل:
•تحفيز الاستثمارات السياحيةمن خلال توفير حوافز ضريبية للمستثمرين في قطاع السياحة، خاصة في المناطق الأقل نمواً.
•تسهيل منح التأشيرات السياحية بتبسيط إجراءات الدخول للسياح، لا سيما من الدول ذات الأسواق المستهدفة.
•الترويج للسياحة العلاجية والتعليمية من خلال تخصيص ميزانيات لحملات تسويقية عالمية تروج للخدمات الصحية والتعليمية في الأردن.
ولضمان نجاح هذه الجهود، ينبغي تنفيذ حملات ترويجية دولية، وتطوير قوانين تدعم الاستثمار السياحي بشكل أكبر.
4-جذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز التجارة
يُعد الاستثمار الأجنبي عنصرًا محوريًا لتحقيق النمو الاقتصادي، ويمكن تعزيزه من خلال:
•إصلاح القوانين الاستثمارية بتحديث التشريعات الاقتصادية لتوفير بيئة استثمارية أكثر استقرارًا وجاذبية.
•تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة و منح المستثمرين تسهيلات لوجستية وضريبية، وزيادة التنسيق مع الدول المجاورة لتطوير سلاسل التوريد الإقليمية.
•توقيع اتفاقيات تجارية جديدة مع التركيز على فتح أسواق جديدة أمام المنتجات الأردنية، خاصة في أفريقيا وآسي
لكن لضمان جذب الاستثمارات، يجب تبسيط الإجراءات البيروقراطية، وتوفير بيئة قانونية مستقرة تُشجع على الاستثمار طويل الأمد.
5- تحسين الإدارة المالية ومحاربة الفساد
تُعتبر الإدارة المالية الفعالة حجر الأساس لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، ويمكن للأردن تحسين وضعه المالي عبر:
•ضبط الإنفاق الحكومي وذلك من خلال تقليل النفقات غير الضرورية ومنها حل الهيئات المستقلة والدوائر البذخيه والتي تجاوزت موازناتها وقلت مواردها، وتوجيه الموارد الاقتصادية نحو القطاعات الإنتاجية.
•تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وذلك لضمان عدم هدر الأموال العامة وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة.
•إصلاح النظام الضريبي بحيث يكون أكثر عدالة، مما يشجع الاستثمار ويزيد الإيرادات الحكومية دون الإضرار بالفئات المتوسطة والفقيرة.
التنفيذ العملي لهذه الإصلاحات يتطلب اعادة هيكلة ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد إنشاء هيئة مستقلة من خلال دمجمهما وتوليها مهمة مراقبة الإنفاق الحكومي بشكل فعال.
6- الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا
يُعتبر التعليم والتكنولوجيا المفتاح الأساسي للنمو الاقتصادي المستدام. يمكن للأردن تحقيق قفزة نوعية في هذا المجال من خلال:
•تعزيز التعليم المهني والتقني لسد الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
•الاستثمار في الأبحاث العلمية وربط الجامعات بالصناعات المحلية لتحفيز الابتكار.
•دعم الابتكار التكنولوجي ليكون قطاع التكنولوجيا محركًا رئيسيًا للاقتصاد.
ولضمان تنفيذ هذه البنود الاصلاحية، يجب تعزيز التمويل المخصص للأبحاث العلمية، وتحفيز التعاون بين المؤسسات التعليمية والشركات الخاصة.
ومما لا شك فيه فأن تجاوز المساعدات الخارجية وهو بناء من رحم ازمه يتطلب تحولًا استراتيجيًا في السياسات الاقتصادية الأردنية. يمكن تحقيق ذلك عبر ما تم ذكره مما سيجعل الأردن قادرًا على تحقيق الاكتفاء الذاتي والنمو المستدام، ليصبح نموذجًا اقتصاديًا ناجحًا في المنطقة إن التركيز على استراتيجيات تنموية مدروسة سيمكن الأردن من تجاوز الاعتماد على المساعدات الخارجية، والاستفادة من تجاربه السابقة في مواجهة الأزمات لتعزيز استقراره المالي والاقتصادي. . لكن الأهم من ذلك هو التنفيذ العملي لهذه الاستراتيجيات، من خلال تبني سياسات اقتصادية واضحة، وتحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وضمان وجود بيئة استثمارية مستقرة تشجع على التنمية المستدامة. بذلك، يمكن للأردن أن يتحول من اقتصاد يعتمد على المساعدات إلى اقتصاد قوي ومستقل يقود التنمية في المنطقة. لطالما أثبت الاقتصاد الأردني قدرته على الصمود والتكيف رغم الأزمات الإقليمية والعالمية، فقد بني في ظل تحديات جيوسياسية واقتصادية متكررة. هذه المرونة يجب أن تتحول إلى نقطة قوة تدفع نحو تحقيق استقلال اقتصادي حقيقي.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير