عبدالله بني عيسى يكتب : لماذا الخجل والتردد في التعبير عن مواقفنا السيادية!

{title}
نبأ الأردن -



ليس مهماً أن نجيب على سؤال: لماذا ثار "الثائرون” على تصريحات نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي، حول حركة حماس وموضوع اليوم التالي في غزة والموقف من السلطة الفلسطينية؟ فهؤلاء "الثائرون” لديهم ثوابتهم الواضحة المستندة إلى ارثهم الثقافي، بل ومشروعهم الاسلاموي العابر للحدود والأوطان. وطبيعي ان يدافع "الاخوان المسلمون” عن حركة حماس بهذه الطريقة، وهي لديها ذات المشروع، ولولا أوليات الصراع التي دفعت الحركة إلى التموضع في أماكن مختلفة ومتنافرة "تكتيكيا” أحياناً كثيرة، لكانت صور التماهي مع المشروع الاخواني أكثر وضوحاً. وطبيعي أيضاً أن نرى السواد الأعظم من مواطنينا متأثرين ببريق الشعارات إياها، التي يرفعها "الاخوان المسلمون” ما دامت تدغدغ العواطف وتلعب على المشاعر. فالناس في الأزمات الكبرى خصوصاً، ومع تراكم منسوب القهر والإحساس بالدونية "الحضارية” وما يخلفه من عقد وأمراض صعبة، لا تريد أن تصدق غير المقاربات السهلة السريعة في التفسير والحلول، ولا تحفل بالمنطق ولا بالتفكير العقلاني، لأنه مكلف ويستدعي مساراً طويلاً من الاصلاحات الجذرية والمُهدد لمصالح البعض ومكانتهم في المجتمع.

المهم، هو أن لا تتأثر الدولة الأردنية بمثل ردود الفعل هذه، وأن تقدم نموذجاً واضحاً حازماً قائماً على احترام المصالح الوطنية وتتحدث بلغة منسجمة مع سياساتها الثابتة منذ عقود!. الدولة الأردنية لا تتعامل مع مليشيا، هذا موقف ينسجم مع تاريخها وثوابتها والتزامها بالقوانين والمواثيق الدولية. الدولة الطبيعية تتعامل مع دول وسلطات معترف بها دولياً وأممياً لا مع تنظيم مسلح. ولنتذكر أن حركة حماس، دخلت في أول صداماتها الواسعة مع السلطة الفلسطينية، لا مع اسرائيل، وانشقت عنها بعد نزاع مؤلم بين الأشقاء، وهي بهذا المعنى اكتسبت وصف الميليشيا انطلاقاً من هذا السلوك الانقلابي الذي دفعها إلى بسط سيطرتها على قطاع غزة بقوة الأمر الواقع، فهي ميليشيا لأنها خرجت على الشرعية الوطنية لا لكونها حركة مقاومة.

بعيداً عن العواطف والمشاعر، وبعيداً عن الاعتبارات الخاصة بالعلاقة الأردنية الفلسطينية بكل حساسياتها وتعقيداتها التاريخية والاجتماعية والقانونية، فثمة دولة أردنية لها مصالح واضحة، وأولويات تتقدم على كل الأولويات، وكذلك ظروف وإكراهات تدفعها للسعي لحماية مصالحها أولاً، حتى لو بدا ذلك السعي متصادماً ظاهرياً مع الحالة المشاعرية لشريحة من المواطنين.

أنا أدعو الدولة الأردنية بجميع مؤسسات السياسية والأمنية إلى التعبير بوضوح عن مواقف ومصالح الدولة الأردنية، وأن لا تتردد في اتخاذ ما تراه مناسباً ومنسجماً مع ثوابتها. فكما نرى ونسمع الصوت العالي لدى المعارضة الإسلامية وهي تعلن مواقفها الداعمة لحركة حماس والنهج الاخواني في المنطقة، فمن حق الدولة بل من واجبها أن تعلن موقفها الداعم لمصالحها الوطنية بوضوح أيضاً.

منذ 7 اكتوبر والدولة الأردنية منخرطة حتى العظم في أتون هذا الصراع، الذي باغتنا جميعاً. لم نكن نتوقعه ولم نشجعه أو نؤيده، وفرض علينا وعلى مواطنينا واقتصادنا ومزاجنا العام فرضاً، وكان الشارع الأردني الأكثر تأثراً وانخراطاً في تداعيات الأزمة وفي التعبير عن الغضب. وهي ظاهرة مشروعه في سياق الفهم العام للحالة الوطنية الأردنية الخاصة. وتعامل الأردن الرسمي مع تداعيات 7 اكتوبر الإنسانية بحرفية استثنائية، وأعاد توجيه بوصلة العالم وتذكيره بجذور الصراع، حتى لا تظل أهوال 7 اكتوبر ماثلة في مخيلة الوعي الغربي والعالمي ويتذرّع بها في كل الاوقات. ومع ذلك تحاشى التعبير بصراحة عن موقفه من تلك الهجمات، ومن منفذيها. رغم أنني أزعم بأن الدولة الأردنية لم يرق لها هجوم 7 اكتوبر، أو لنكن أكثر دقة من الطريقة التي نفذ بها الهجوم.

الأردن الرسمي الذي يعبر عن التزامه العميق بثوابت المنظومة الدولية، وأخلاقيات ومواثيق الحروب بين الجيوش النظامية وحركات المقاومة أيضاً، وقولاً واحداً لا يحتمل التردد، لا يمكنه أن يؤيد الطريقة التي نفذ بها الهجوم. لكنه تحاشى التعبير عن ذلك بوضوح، وهو أمر مبرر وله أسبابه الداخلية والخارجية.

حصل ما حصل، ووقعت الكارثة التي تتجاوز كل الحدود في التدمير والتشريد والكلفة الإنسانية والأخلاقية، وسُلّمت غزة لقمة سائغة بيد عصابة تل أبيب المجرمة، العصابة التي لا ترحم ولا ترعى في الحروب ذمة أو مشاعر أو وزناً لكرامة البشر، وسيتعين على غزة وسكانها والمنطقة بأسرها أن يتعاملوا مع واقع بالغ السوء لعقود طويلة قادمة، كل ذلك كان بسبب اجتهاد خاطئ وتصرف انفعالي غير محسوب. فأي حكمة تلك التي تجعلنا نجتر ذات الفشل، ونستمطر ذات الكارثة، ونؤيد ذات المشروع وذات الطريقة الكارثية في التعاطي مع الأمور.

اعلان مواقف واضح وصريح من حركة حماس وموضوع اليوم التالي في غزة، وتأييد استلام السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً زمام الأمور في غزة، أصبحت أمور واجبة، وينبغي أن نعلن عنها بوضوح. ويكفي ما جرته علينا اجتهادات القادة الميدانيين، والمنخرطين في مشاريع إقليمية خطرة من ويلات.

مثل هذه المواقف حق سيادي للدولة الأردنية، وليس تدخلاً في شؤون أحد. فالقدر الجغرافي والديمغرافي والاجتماعي يجعل الأردن معني بتفاصيل الملف الفلسطيني لحماية مصالحه أولاً وبما لا يتعارض مع مصالح الأشقاء ثانياً. 
ما قاله الصفدي دقيق ويعبر عن مصالحنا، فلماذا الخجل والتردد في التعبير عن مواقفنا السيادية!.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير