العقيد المتقاعد محمد الخطيب يكتب: ضربة ما قبل الانفجار: رسائل واشنطن في توقيت مشتعل

{title}
نبأ الأردن -
في فجر الأحد، اهتزت المعادلة الإقليمية بعد ضربة أميركية خاطفة استهدفت المنشآت النووية الإيرانية في نطنز وفوردو وأصفهان، في خطوة أثارت الكثير من الأسئلة حول توقيتها ودلالاتها، ليس فقط من حيث الأهداف العسكرية، بل من حيث الرسائل السياسية التي تحملها والسيناريوهات التي قد تفتح أبوابها أمام الشرق الأوسط المتوتر أصلًا.
لم يكن الهجوم الأميركي مفاجئًا من حيث الاستعدادات التقنية أو المؤشرات الاستخباراتية التي رصدت منذ أشهر تصاعدًا في وتيرة الأنشطة النووية الإيرانية، لكنه جاء في لحظة إقليمية دقيقة تشي بتحولات استراتيجية وشيكة. فالرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي عاد إلى البيت الأبيض ، أطلق هذه العملية في توقيت حساس داخليًا، مستندًا إلى قناعته بأن استعراض القوة في السياسة الخارجية لا يزال ورقة رابحة في الخطاب السياسي الأميركي، خصوصًا في ظل الانتقادات التي وُجهت إليه في ولايته السابقة بشأن أسلوبه في إدارة الأزمات. ومن هنا، تبدو الرسالة الأولى للعملية موجهة إلى الداخل الأميركي لتأكيد صورته كقائد حازم، قبل أن تكون موجهة إلى طهران.
لكن واشنطن لا تلعب فقط على وتر السياسة الداخلية، بل تخاطب إيران بلغة القوة، بعد أن تراكمت التحذيرات والمطالب بوقف التخصيب وتقييد الأنشطة النووية الحساسة. ويبدو أن إدارة ترمب، بالتنسيق مع إسرائيل، قررت كسر الحلقة المفرغة من الإنذارات والتهديدات التي لم تُجدِ نفعًا، خصوصًا بعد أنباء عن تخزين مواد مخصبة في مواقع سرية داخل الجبال، مثلما كشفت بعض المصادر الإسرائيلية. ولذلك، كانت الضربة بمثابة "تذكير ناري" بأن برنامج إيران النووي لن يُترك بلا عواقب، حتى إن غابت الدبلوماسية أو تعثرت المفاوضات.
في المقابل، لا يُمكن تجاهل أن هذه الضربة قد تُفجر برميلًا من الردود المتوقعة، وإن لم تكن مباشرة بالضرورة. إيران، التي أعلنت أن المنشآت كانت خالية من المواد المشعة، حرصت على نفي وجود تسرب إشعاعي لتطمين الداخل الإيراني أولًا، لكنها لم تغلق الباب أمام الرد، بل فتحت المجال أمام خيارات غير تقليدية عبر أذرعها الإقليمية. فالتجربة السابقة تقول إن طهران تجيد فن الرد غير المباشر، من اليمن إلى العراق، مرورًا بسوريا ولبنان، وكلها جبهات يمكن أن تتحول سريعًا إلى ساحات استنزاف لأعداء إيران دون أن تُتهم هي رسميًا بإشعال الحرب.
وفي قلب هذا المشهد المشتعل، تقف دول الخليج على خط التماس. فالموقع الجغرافي، والحساسية الاقتصادية والأمنية، والاعتماد على الاستقرار الإقليمي لتأمين صادرات النفط وممرات الطاقة، تجعل من هذه الدول طرفًا معنيًا، حتى وإن لم تُصب مباشرة. الهجوم على إيران يعيد المنطقة إلى مربع الاستنفار الأمني، ويضع البنية التحتية النفطية والموانئ الحيوية في مرمى أي تصعيد مفاجئ، سواء عبر ضربات عسكرية أو هجمات بطائرات مسيرة أو عمليات سيبرانية.
كذلك، فإن هذا الحدث قد يفتح الباب أمام تغييرات أعمق في توازنات القوى الإقليمية والدولية. الصين وروسيا تراقبان عن كثب، وقد تسعيان لتعزيز علاقاتهما بإيران كرد فعل على ما تعتبرانه "عدوانًا أميركيًا"، فيما ستجد دول الخليج نفسها مضطرة لتأكيد تحالفها الأمني مع واشنطن، رغم كل ما رافق السنوات الأخيرة من توترات في العلاقة.
وهكذا، فإن الضربة الأميركية ليست مجرد ردّ تكتيكي على نشاط نووي إيراني متسارع، بل هي رسالة سياسية في توقيت مدروس، هدفها فرض قواعد اشتباك جديدة، وربما إعادة رسم الحدود الحمراء التي تاهت وسط التصعيدات والردود الرمادية. أما ما إذا كانت هذه الضربة ستبقى محدودة في مداها أم تتحول إلى شرارة لحرب شاملة، فهذا ما ستقرره الأيام القادمة، بحسب طبيعة الرد الإيراني، وقدرته على ضبط النفس أو خوض المواجهة.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير