مزيد العرمان العجارمة يكتب :مشروع برنارد لويس وإعادة تشكيل الشرق الأوسط بين النظرية والتطبيق

{title}
نبأ الأردن -
لطالما كان الشرق الأوسط محور الاهتمام الجيوسياسي للقوى الكبرى، نظرًا لأهميته الاستراتيجية والاقتصادية. أحد أبرز التصورات حول مستقبل المنطقة جاء من المؤرخ والمستشرق البريطاني الأمريكي برنارد لويس، الذي قدم تصورًا يهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط عبر تفكيك الدول الكبرى إلى كيانات أصغر تقوم على أسس طائفية وعرقية. هذا المشروع، الذي أُثير كثيرًا في النقاشات السياسية، يُرى من قبل البعض على أنه مخطط طويل الأمد لتعزيز الهيمنة الغربية وضمان تفوق إسرائيل في المنطقة.
   برنارد لويس، الذي يعتبر أحد أبرز المتخصصين في تاريخ الشرق الأوسط، طرح رؤيته في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث اقترح أن المنطقة بحاجة إلى إعادة هيكلة سياسية تؤدي إلى تقسيم الدول الكبرى مثل العراق، سوريا، ومصر إلى كيانات أصغر وأكثر قابلية للإدارة. ووفقًا للويس، فإن الطائفية والانقسامات العرقية تجعل من الصعب الحفاظ على وحدوية الدول التقليدية، وبالتالي فإن تقسيمها سيحقق استقرارًا يخدم مصالح القوى الكبرى.
  ومن أبرز ملامح مشروع برنارد لويس، تفكيك الدول الكبرى مثل العراق، سوريا، السعودية، وإيران إلى كيانات صغيرة تقوم على أسس مذهبية وعرقية. إعادة رسم الحدود بما يتجاوز اتفاقية سايكس بيكو، بحيث تتوافق مع المصالح الغربية. إشعال النزاعات الداخلية عبر تغذية الصراعات الطائفية والعرقية، ما يبرر التدخلات الخارجية. وهذا يصب في ضمان تفوق إسرائيل عبر إضعاف جيرانها وتحويلهم إلى دول مفككة لا حول لها ولا قوة لتبقى الأخيرة شرطي المنطقة واليد التي تطول المنطقة بلا حسيب ولا رقيب تحت ذريعة حماية الأقليات وتحت همنة إسرائيلية كاملة.
     علاقة مشروع برنارد لويس بالأحداث الحالية، تشير التوترات الأخيرة بين إسرائيل وإيران، والتصعيدات المستمرة في سوريا واليمن وليبيا، إلى أن مفهوم تفكيك الشرق الأوسط قد أصبح واقعًا ملموسًا، حتى لو لم يُعلن رسميًا كمخطط سياسي. بعض المحللين يرون أن ما يحدث اليوم من حروب أهلية، تدخلات خارجية، وتحولات سياسية تعكس بشكل أو بآخر ما طرحه لويس قبل عقود.
  ومن أمثلة على تطبيق المشروع بشكل غير مباشر العراق فبعد الغزو الأمريكي (2003) تم تقسيم البلاد فعليًا إلى مناطق نفوذ شيعية، سنية، وكردية، ما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار الدائم. كما أدى تصاعد النزاع في السورية إلى إنشاء كيانات شبه مستقلة داخل الدولة، مثل سيطرة القوى الكردية على مناطق معينة، وتدخل إسرائيل في الملف الدرزي بحجة الحماية.
  كما يشير مشروع لويس إلى إنشا توترات جديدة في منطقة الشرق الأوسط تؤدي إلى التفكيك المنشود.
   وعلى الرغم من أن مشروع برنارد لويس لم يُطرح رسميًا كسياسة أمريكية، إلا أن العديد من التدخلات الغربية في المنطقة تتماشى مع المفاهيم التي قدمها، على سبيل المثال، السياسات الأمريكية بعد الربيع العربي التي عززت الانقسامات الداخلية في عدة دول، والتدخلات العسكرية الغربية غالبًا ما تؤدي إلى إضعاف الدول المستهدفة بدلاً من تحقيق استقرار حقيقي.
    ومن النتائج المحتملة لمشروع تفتيت الشرق الأوسط: اضطرابات طويلة الأمد، وأي تفكيك للدول الكبرى سيؤدي إلى حروب أهلية ممتدة. ومن أبرز النتائج صعود جماعات مسلحة ما يحقق الفراغ السياسي، ما يُتيح المجال لقوى غير حكومية لتوسيع نفوذها، كما سيؤدي ذلك إعادة ترتيب التحالفات وهنا قد يؤدي التصعيد الإسرائيلي الإيراني إلى إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية، ما قد يغيّر التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.
   مشروع برنارد لويس يظل أحد أكثر التصورات المثيرة للجدل حول مستقبل الشرق الأوسط. وبينما لا يمكن الجزم بأنه يُنفذ فعليًا، إلا أن العديد من الأحداث الجارية تتطابق معه بشكل واضح، ما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه النظرية على السياسات الدولية. هل ستستمر الدول الكبرى في الدفع نحو تفتيت المنطقة، أم أن الشرق الأوسط قادر على الصمود وإعادة بناء نفسه وفق رؤية مستقلة؟
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير