لانا ابوسنينة تكتب : الوقت بيصنع الفرق في العلاج: حوار مفتوح حول التحديات والفرص في مواجهة فيروس نقص المناعة البشري
نبأ الأردن -
في إطار الجهود المستمرة لمواجهة فيروس نقص المناعة البشري (HIV) وتعزيز الصحة الإنجابية والجنسية، انعقد المؤتمر الوطني الثاني للاستجابة الوطنية، حيث تناول موضوع الجلسة الحوارية "الوقت بيصنع الفرق في العلاج"، أهمية استثمار الوقت في تطوير ورعاية المرضى وتقليل الآثار المترتبة على الإصابة بالفيروس. شارك في الجلسة نخبة من الخبراء الذين سلطوا الضوء على الابتكارات العلمية والتحديات والفرص لتحقيق أهداف الاستجابة السريعة..
افتتح النقاش الدكتور فارس بكري، أستاذ الطب في الجامعة الأردنية، حيث استعرض التقدم العلمي الذي أُحرز خلال العقود الماضية في مكافحة فيروس نقص المناعة البشري. أوضح أن زراعة الخلايا الجذعية أصبحت إحدى الأدوات الواعدة التي حققت نجاحات محدودة في علاج بعض الحالات، لكنها ليست حلاً عمليًا واسع النطاق بسبب تعقيدها وتكاليفها العالية. أشار أيضًا إلى العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية (ART) التي تُعتبر الركيزة الأساسية في العلاج اليوم. هذه العلاجات مكنت المرضى من العيش لفترات أطول مع تحسين جودة حياتهم، لكن التحديات المرتبطة بها، مثل الالتزام مدى الحياة، والآثار الجانبية، واحتمال تطور مقاومة الفيروس للعلاج، ما زالت تمثل عائقًا كبيرًا.
تحدث د. بكري عن الحاجة الماسة لتطوير لقاحات فعّالة، على الرغم من العقبات العلمية والاجتماعية. وشرح أن التنوع الجيني الكبير للفيروس، والاندماج المبكر له في الحمض النووي للمصاب، يجعل تطوير لقاح موثوق تحديًا معقدًا. وأضاف أن المعلومات المضللة المنتشرة حول لقاحات فيروس نقص المناعة قد تؤدي إلى تقويض الجهود المبذولة في هذا المجال، خاصة في المجتمعات التي تعاني من وصمة عار اجتماعية تجاه المرض.
من جهتها، ركزت الدكتورة لما المجالي على التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على فعالية الجهود المبذولة في مكافحة الفيروس. وأشارت إلى أن وصمة العار والتمييز الاجتماعي من أكبر العوائق التي تمنع الناس من إجراء الفحوصات اللازمة أو طلب العلاج. وأوضحت أن التصورات السلبية تجاه المرضى تجعلهم يواجهون ضغوطًا نفسية واجتماعية كبيرة تدفعهم إلى إخفاء حالتهم الصحية بدلاً من البحث عن الدعم. كما لفتت إلى نقص البيانات الدقيقة حول المجموعات السكانية الأكثر عرضة للإصابة، مثل اللاجئين والشباب، مما يعيق تخطيط البرامج الصحية وتنفيذها بفعالية.
قدمت د. المجالي نموذجًا ناجحًا من المغرب، حيث تم اعتماد "الاختبار الذاتي" كوسيلة مبتكرة لتشخيص الفيروس بشكل سري ومريح. وأكدت على أهمية اعتماد هذا النموذج في الأردن كجزء من الحلول التي يمكن أن تقلل من الوصمة الاجتماعية وتزيد من نسبة الأشخاص الذين يُجرون الفحوصات. وأضافت: "نحن بحاجة إلى بناء الثقة مع المجتمعات المستهدفة وتقديم الخدمات الصحية بطريقة مرنة وشاملة تلبي احتياجاتهم دون تمييز أو خوف."
الدكتور محمد الطراونة، المختص في الأمراض المعدية، قدم رؤية طبية حول أهمية الوقت في الوقاية من العدوى الانتهازية التي تُعتبر من أخطر التحديات لدى مرضى فيروس نقص المناعة البشري. أوضح أن هذه العدوى، مثل الالتهابات الرئوية والفطرية، غالبًا ما تكون قاتلة إذا لم تُكتشف مبكرًا وتُعالج بفعالية. وأكد أن التشخيص المبكر والعلاج الوقائي يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بهذه العدوى. كما أشار إلى أن التأخر في تقديم العلاج المناسب يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية للمصاب، ويُعرضه لمضاعفات أكبر.
تميزت الجلسة بالتفاعل الحي من الجمهور، حيث طرح المشاركون أسئلة هامة حول كيفية تحسين الوصول إلى الخدمات الصحية في المناطق النائية، وكيفية مواجهة وصمة العار الاجتماعية. أوضح الخبراء أن الحلول تتطلب تبني استراتيجيات شاملة، مثل تعزيز استخدام الوحدات الصحية المتنقلة وتوسيع نطاق الحملات التوعوية التي تركز على مكافحة التمييز.
أحد المشاركين تساءل عن إمكانية تعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة لتوفير موارد إضافية ودعم مستدام للبرامج الصحية. وأكد الخبراء أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص ضرورية لضمان استدامة الجهود. كما شددوا على أهمية استخدام التكنولوجيا، مثل تطبيقات الهاتف المحمول، لتقديم خدمات صحية مبتكرة تسهم في تسهيل وصول المرضى للمعلومات والدعم اللازمين.
خلال النقاشات، أجمعت الآراء على أن الوقت هو عامل جوهري في كل مرحلة من مراحل التعامل مع فيروس نقص المناعة البشري. التشخيص المبكر يُمكن المرضى من بدء العلاج في وقت مثالي، مما يقلل من احتمالية تدهور حالتهم الصحية. الالتزام بالعلاج في الوقت المناسب يحسن من فرص السيطرة على الفيروس وتقليل فرص انتقاله. والوقاية من المضاعفات تعتمد بشكل كبير على التحرك السريع واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت الصحيح.
اختتمت الجلسة برسالة واضحة للجميع: "كل لحظة مهمة. كل يوم يمر دون تدخل فعال هو فرصة ضائعة لتحسين حياة المرضى وتقليل الآثار السلبية للفيروس. علينا أن نستثمر الوقت بفعالية لضمان مستقبل أفضل للجميع."
الجلسة لم تكن مجرد لقاء علمي، بل كانت دعوة صادقة للعمل والتغيير. أثارت النقاشات شعورًا بالمسؤولية الجماعية وأهمية التعاون لإحداث فرق حقيقي في حياة المصابين. كانت الأصوات التي شاركت في الحوار تعبيرًا عن التزام مشترك بتحقيق العدالة الصحية وتعزيز الإنسانية في مواجهة التحديات التي تفرضها الأمراض المعدية مثل فيروس نقص المناعة البشري.