د. أحمد فايز العجارمة يكتب : الواقعية السياسية .. من أرسطو إلى ميكافيلي
نبأ الأردن -
ذكرنا في المقال السابق أن تيار الفلسفة السياسية الواقعية ممثلاً بفلسفة أرسطو السياسية، قد خبى تأثيره في الفكر السياسي لمدة تزيد عن ألف عام، حيث سيطرت الأفكار الأفلاطونية على الفكر السياسي في العصر الوسيط سواء في الفلسفلة العربية الإسلامية او في الفلسفة المسيحية.
ومع أرهاصات عصور الحداثة، أخذ الفكر الفلسفي يعود ليلتمس جذوره من فلسفة أرسطو السياسية الواقعية بتأثير كبير من أفكار عصر النهضة، حيث جاءت أولى هذه الإرهاصات مع الفيلسوف الإيطالي نيكولو ميكافيلي (1469-1527) هو فيلسوف سياسي ودبلوماسي إيطالي من فلورنسا، ويعتبر أحد أعلام عصر النهضة الأوروبية.
ولفلسفة ميكافيلي السياسية، طابعها الخاص المتفرد عن فلسفة أرسطو -وبالطبع عن أفلاطون ايضاً-، فهي وإن كانت تعد إمتدادا للفلسفة السياسية الواقعية التي نشأت مع أرسطو-وربما قبل ذلك مع السفسطائيين- إلا أنها لم تُعنى بتلك المواضيع التي تناولتها فلسفة أرسطو من ناحية التفريق والمقارنة بين أشكال النظم السياسية في الدول المختلفة –كما كانت لدى أرسطو-، بل عُنيت أكثر بكيفية ممارسة السلطة السياسية من قبل الحاكم (الأمير) بحيث تتم الممارسة السياسية بأقصى درجات الفعالية في تحقيق أهدافها، حتى لو تطلب ذلك أستخدام وسائل "غير أخلاقية".
ويعد ميكافيلي هو المؤسس للفصل التام بين السياسي والأخلاقي; وذلك على أعتبار أن إستمرارية السلطة واستقررا الدولة هو الهدف الأسمى لفلسفته السياسية، وهو الأمر الذي أكسبها هذه السمعة غير الحسنة للميكافيللية التي أصبحت في الأذهان مرادفة للعمل البراغماتي المفصول تماماً عن أي مبدأ أخلاقي، وذلك بوحي مباشر من شعارها الشهير ((الغاية تبرر الوسيلة)).
وللميكافيللية حضورها الطاغي في الممارسة السياسية اليوم، إذ غالباً ما يعطي ساسة العالم المعاصر اليوم الأولوية للاعتبارات العملية على المبادئ الأخلاقية أو الأيديولوجية ضمن نهج واقعي يركز على ما هو ملائم سياسياً بدلاً من التركيز على ما هو صحيح أخلاقياً، إذ تزخر الممارسة السياسية اليوم بتوظيف كبير للتكتيكات الميكافيللية الشائعة في السياسة المعاصرة مثل (البراغماتية السياسية، فن المظاهر والكاريزما، وسياسة التفريق "فرق تسد"، تصدير الأزمات، تغيير التحالفات بتغيير المصالح والإستدارات الإسترايجية، اللعب على مشاعر الهوية والتهديد الخارجي، وسيكلوجيا الجماهير..) وغيرها مما يضيق المجال عن ذكرها في هذه السطور