د. تيسير أبوعاصي يكتب : ( قلادة كلب )
نبأ الأردن -
قامت السلطات العثمانية عام 1911 في مطلع القرن العشرين وضمن جرائمها ومطارداتها البشعة ضد ثوار هذا الشرق وتنكيلها بهذه البلاد ورموز ثورته، بإعدام ذوقان الأطرش، والد سلطان باشا الأطرش، وكان سلطان باشا في مُقتبل عمره.
وكنوع من المحاولة البائسة لترطيب الأجواء، وتخفيف الغضب الشعبي لدى الشعب السوري، سيما جبل العرب من جراء إعدام أحد أبرز قاداتها، وقطع دابر الحقد المتولد لدى الفتى سلطان نتيجة لذات السبب، أرسلت له قلادة مع لقب باشا.
استشاط الفتى سلطان غضبًا لهذه الهدية المستفزة، فهم أرادوا منها شراء ذمة الثوار، ومساومته على كرامته ومشاعره وذلك بإسكاتهم ونزع فتيل الانتقام لشهيد الوطن ذوقان الأطرش، فما كان منه إلا أن أخذ القلادة دون تردد وألبسها رقبة كلب قائلًا لا يليق بهذا اللقب إلا رقبة كلب، فنحن لا نقبل هدية من مستعمر بطش بأهلي، وأعدم والدي، ولن أساوم على هذا الدم الطاهر الثمين مهما بلغ الثمن وطال الزمن.
بعد زمن أهدى الملك فيصل الأول لقب "باشا" إلى سلطان، فاستحق بجدارة الوسام واللقب، لكن هذه المرة من ملك البلاد؛ تكريمًا وطنيًّا إلى رمز وطني بذل الغالي والنفيس، ودفع الثمن غاليًا في صموده ونضاله ومنفاه وعذاباته في سبيل الوطن السوري وفداء لأبناء شعبه الأبي.
هكذا كان لقب الباشا صافيًا نقيًّا لا تشوبه شائبة أو تكدره يدٌ آثمة باغية طاغية، عاش عمرًا نضاليًا ، مناضلًا شهدت له الساحات والمنافي والسجون صمودًا أسطوريًا غير مسبوق، وطوال عمره كان حافظًا وفيًّا للقبٍ مُنح له، ولرمزيته الوطنية والعروبية، وما زالت جموع الشعب حينها ملتفَّة حول فرسانها وقياداتها، حتى لا يكاد اللسان يتمكن من نطق اسم القائد سلطان الأطرش إلا مقرونًا بلقب الباشا.
وبقي سلطان باشا الأطرش اسمًا ولقبًا وعَلمًا لا يمكن أن يجتزَّأ من تكوينه الثلاثي العتيد، مدرسة للتضحية والإباء والوفاء والإخلاص لقضايا شعبه، لا تهدأ له قناة، ولا يفرط بقضايا شعبه، ولا يصالح دون حقه، ولا يساوم.
ما أحوجنا إليك يا باشا! 🙏🙏🙏
رحم الله سلطان باشا الأطرش وغفر له وأسكنه فسيح الجنان .