د تيسير أبوعاصي: يكتب ( طيارة طارت في الجو)

جريًا على عادة تصفح وتقليب الذاكرة من تحت تموضعات غبار القدم وبصمات اعياء السنين وجدت أهزوجة كنا نغنيها صغارا دون الالتفات الى عشوائية الترابط بين بعثرات كلماتها فما علاقة الطيارة الطائرة في الجو والتي تحمل عسكرًا وأضواء بما فيهم القائد ابراهيم هنانو ، وما علاقة زوجته التي يصطحبها وجلسها أمامه ؟!!!!

بقيت هذه الأسئلة يتيمة لا تجد من يثبت نسبها او يتبناها فيدثرها ويؤويها من برد ومن جوع .

     في الحارة كان يتجمع الصبية ينثرون كثيرا من شقاوتهم من جعبة مكامنها ويتسابقون ويمارسون اللعب بما تيسر من الجلول والكرة والطماية والزقطة والنطة وما إلى ذلك ، واذا ما مر في الاعالي طائر اللقلق [أبو سعد] يقومون بواجب الترحيب والإنشاد له ، لا يفوتهم اذا ما اشتدت رياح الشقاوة وفرغوا من جدول اعمالهم يجنحوا الى اللعب بسكينة الناس وراحتهم ، فيذهبوا لقرع الأبواب او الجرس (إذا كان موجودا) والهرب.

     ما لفت انتباهي بعد اكثر من نصف قرن وربما احتفالنا باليوبيل الماسي لتلك الأيام العتيقة انشودة صغيرة كانت تصلح للإنشاد الجماعي ترافق المسير أو الجري أو الثبات، المهم في ذلك ان تكون الأنظار متجهة للأعلى لمراقبة حدث ما وهو مرور طائرة في الأعالي مما يستنهض واجب الترحيب ايضا والإنشاد :

طيارة طارت في الجو 

فيها عسكر فيها ضو 

فيها ابراهيم هنانو 

مركب مرتو قدامو

وتنتهي الانشودة بخاتمة أظنها تعد في حينها كيفما اتفق .

  المهم في الموضوع ان الأمر بقي محيرا ويدعو إلى الاستهجان في تركيبة هذه الكلمات غير المبررة وغير المترابطة .

       إلى أن وجدت انشودة قد تكون هي الأصلية قبل التحوير وقطعها مسافات من إدلب وحلب وتجشمها وعثاء السفر بما يحمل ذاك التسفار من تعب وأتربة وغبار وضياع بعض المعنى والمفردات وسطو قاطعي الطرق وعبور ذاكرة الطفولة ومخيلتها الخلاقة لكنها الفوضوية، هذه الانشودة تقول :

طِيّارَة طارِتْ فِي الجَوّْ

فيها عَسْكَرْ فيها ضَوّْ

فيها (إبراهيم هنانو)

راكِب عَلْى ظهر حصانو

فيها (جول) و(جمالْ)

مِن أبطال القنالْ

يا فرَنْسَا يا بِنتْ الكَلبْ

مِينْ قَالِكْ تِيجي عالحَربْ .... الخ

إبراهيم هنانو : 

قائد وطني بارز من إدلب رئيس الكتلة الوطنية في الشمال .

جمال :

جمال عبد الناصر الرئيس الوطني المصري انذاك .

جول  :

جول جمال من اللاذقية ،  استشهد في مصر  عام 1956م إبان العدوان الثلاثي المجرم كردّ على تأميم قناة السويس في عهد جمال عبد الناصر  بعد أن قام بتدمير البارجة الفرنسية (جان دارك) .