البرلمان العشرون: التحديث والتمكين والرهان على الأداء

{title}
نبأ الأردن -
الباحثة فرح زعاترة
الباحث عناد الجلاد

شهد الأردن في 10 سبتمبر 2024 انتخابات برلمانية تُعد الأولى من نوعها، من حيث تطبيق قانوني الانتخاب والأحزاب للعام 2022، وكانت هذه الانتخابات محطة اختبار حقيقية لفعالية هذه القوانين، التي تعد من أبرز مخرجات منظومة التحديث السياسي في المملكة، التي شكلت بإرادة ملكية لاعادة هيكلة العملية الانتخابية من خلال تعزيز دور الأحزاب السياسية في تشكيل الحكومات البرلمانية، والابتعاد عن الأساليب الفردية لصالح العمل الجماعي المنظم، وزيادة تمكين المرأة والشباب من الانخراط في الحياة السياسية بشكل أكثر فاعلية، عبر منحهم فرصة أوسع للمشاركة في الأحزاب والانتخابات، بما يعزز التعددية السياسية ويضمن تمثيلًا أكثر توازنًا للمجتمع في صنع القرار السياسي.
وهذه الانتخابات لم تكن فقط تطبيقًا للإصلاحات الجديدة، بل جاءت أيضًا مدعومة بضمانات ملكية كما أكد عليها ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني "ركزنا على حق المواطن لممارسة الحياة الحزبية بدون قيود أو تأثير وهنا دوركم مهم جدا والذي سيضع الفرق"، وقد انعكست هذه الضمانات في الشفافية والنزاهة العالية التي شهدتها الانتخابات، ما ساهم في نجاحها البارز واستعادة ثقة المواطنين في العملية السياسية، وكانت نجاح كبير للدولة ومؤسساتها، حيث استطاعت دعم تمثيل المرأة والشباب في البرلمان ووسعت دائرة المشاركة العامة في صنع القرار،
سيتم في هذه المقالة تناول هذا النجاح بالتفصيل، مع التركيز على نتائج الانتخابات وكيفية انعكاس الإصلاحات السياسية على مشاركة فئات المجتمع المختلفة.
تنامي دور الشباب الأردني
أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة تحولًا كبيرًا في مشاركة الشباب، حيث كان لهذه الفئة دور بارز سواء في الاقتراع أو الترشح، ووفقا للهيئة المستقلة للانتخاب بلغ عدد الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا حوالي 43.5% من إجمالي المقترعين، وهو ما يعكس الوعي السياسي المتزايد لدى الشباب ويؤكد أنهم باتوا يرون في أنفسهم فاعلين رئيسيين في تشكيل النظام السياسي الأردني، خاصة أنهم يمثلون نسبة كبيرة من المجتمع، ونجد أن هذا التوجه نحو الانخراط السياسي يعزز رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي شدد في خطاباته على دور الشباب بوصفهم قوة مجتمعية حاضرة وفاعلة، قائلاً: "أنتم أيها الشباب مسؤولون عن دوركم بوصفكم قوة مجتمعية حاضرة وفاعلة، تترك بصمتها في حركة المجتمع وتوجهاته، فأنتم مطالبون بأن تكونوا على قدر المسؤولية وجديرين بهذا الحمل".
وبهذا تأتي هذه النتائج التي شهدت إدماج 600 ألف ناخب جديد، ممن بلغوا السن القانونية للمشاركة (18 عامًا) لأول مرة، وهو ما يشكل 11.5% من إجمالي المقترعين، ليظهر بوضوح أن الشباب الأردني يستجيب لدعوة جلالة الملك بأن يكونوا على قدر المسؤولية، وما يؤكد أنهم مستعدون للعب دور محوري في توجيه السياسة الوطنية والمساهمة في بناء مستقبل أكثر شمولية وديمقراطية للأردن.
وتماشيا مع قانون الانتخاب الجديد لعام 2022 الذي ابدى التزامًا حقيقيًا بتعزيز مشاركة الشباب، من خلال المادة 8، التي الزمت القوائم الحزبية أن تضم شابًا أو شابة يقل عمره أو عمرها عن 35 عامًا ضمن أول خمسة مرشحين، لضمان حضور قوي للشباب في مواقع متقدمة بالقوائم الانتخابية، وبالتالي يزيد من فرصهم في الفوز بالمقاعد البرلمانية، فقد ترشح107 شباب ذكور و47 شابة، في الدائرة الانتخابية العامة (الحزبية)، مما أظهر أن الشباب يشكلون نسبة لا يستهان بها بين المرشحين، بينما في الدوائر المحلية، ترشح 60 شابًا، وهو ما يعزز من دورهم في التنافس ليس فقط على مستوى القوائم الحزبية بل أيضًا في الدوائر الفردية، وأكدت النتائج نجاح هذه الجهود، حيث فاز3 شباب في الدائرة الانتخابية العامة، و 3 آخرين في الدوائر المحلية، وأحد أبرز إنجازات هذه الانتخابات هو فوز أصغر نائب، الذي يبلغ من العمر 29 عامًا.
زيادة التمثيل النيابي النسائي
لمست المرأة الأردنية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، نجاحا ملحوظًا للتغييرات التي أتى بها قانون الانتخاب الجديد لعام 2022، والتي عكست قدرتها على المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية، حيث تجاوزت أدوارها التقليدية لتثبت أنها قادرة على قيادة التغيير والمساهمة في تشكيل السياسات الوطنية، وبنسبة 47.8% من إجمالي عدد المقترعين، أثبتت المرأة الأردنية أنها ليست فقط حاضرة، بل هي قوة مؤثرة ومساهمة فاعلة في تحديد المسارات والتوجهات السياسية للحكومة الأردنية.
وكما قدم القانون الجديد دفعة قوية لدعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية الأردنية، إذ نص على ضرورة وجود المرأة في القوائم الحزبية، والزم القوائم التي تضم مرشحين للانتخابات أن تحتوي على امرأة واحدة على الأقل ضمن الثلاثة الأوائل، وامرأة أخرى ضمن الثلاثة التالية، ونتيجة لهذه التعديلات، شهدت الانتخابات البرلمانية ترشح 187 امرأة في الدائرة الانتخابية العامة (الحزبية) و195 امرأة في الدوائر المحلية، وكنتيجة مباشرة لهذه التغييرات، وصلت 27 امرأة إلى مجلس النواب العشرين، منهن 9 نساء عبر الدائرة الانتخابية العامة، و 18 امرأة عبر المقاعد المخصصة للنساء (الكوتا).
وكذلك شهد النظام الداخلي لمجلس النواب تعديلًا في المادة (7) لعام 2023، حيث ضمنت التعديلات تعزيز حضور المرأة في المكتب الدائم لمجلس النواب، فالتعديل ينص على أنه في حال عدم فوز امرأة بموقع الرئيس أو النائبين الأول والثاني، يتم تخصيص أحد موقعي مساعدي الرئيس للنساء، مما يعزز تواجد المرأة في مراكز صنع القرار داخل المجلس.
جميع تلك التعديلات جاءت كنتيجة مباشرة لمنظومة التحديث السياسي، والتي كانت المرأة جزءًا من صياغتها، فقد شاركت 18 سيدة من أصل 92 عضوًا في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وهذه المشاركة لم تكن مجرد رمزية، بل جاءت كترجمة عملية لتوصيات جلالة الملك عبد الله الثاني حول دور المرأة القيادي في بناء مجتمع أكثر عدالة وتوازنًا.
وعلى المستوى الدستوري، تم تعديل المادة (6) من الدستور لعام 2022 خطوة نوعية في تعزيز مكانة المرأة، حيث نص على أن تكفل الدولة تمكين المرأة ودعمها للقيام بدور فاعل في بناء المجتمع، مع ضمان تكافؤ الفرص والعدل والإنصاف، ولم يكن هذا التعديل الدستوري مجرد نص قانوني، بل رسالة واضحة بأهمية دور المرأة كمحرك للتغيير وصاحبة دور فعال في صناعة القرار.
وفي ختام هذه الانتخابات البرلمانية التي عكست عمق التغيير السياسي في الأردن، فإن هذه التحولات بحاجة إلى استثمار مستدام لضمان تعزيز التقدمات الإيجابية التي أفرزتها العملية الانتخابية، وما شهدناه من زيادة في تمثيل المرأة والشباب داخل البرلمان، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية هو بداية مهمة، لكنه يتطلب مزيدًا من الجهد لضمان استمرارية هذا المسار، ولتحقيق الأهداف الكبيرة لمنظومة التحديث السياسي، ينبغي التركيز على تطوير البرامج والسياسات التي تتيح لهذه الفئات دورًا أكبر في صنع القرار، بما يواكب تطلعات الشعب الأردني.
وهذا التغيير الديمقراطي ليس مجرد حدث عابر، بل هو نقطة انطلاق نحو بناء نظام سياسي أكثر عدالة وشفافية، تتعزز فيه أسس الديمقراطية التشاركية، وأصبح مع الشفافية والنزاهة التي تميزت بها هذه الانتخابات، من الضروري البناء على هذه المكاسب لتحقيق مزيد من الإصلاحات التي تعزز ثقة المواطن في العملية السياسية، وتدفع بالأردن نحو مستقبل أكثر إشراقًا واستقرارًا، يحقق الأهداف الطموحة للتحديث السياسي ويؤسس لصورة ديمقراطية ناضجة ومستدامة.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير