د. ماجد الخواجا يكتب: ديمقراطية طلابية

{title}
نبأ الأردن -
جرت بالأمس انتخابات المجلس الطلابي في الجامعة الأردنية، وهي انتخابات لها من الرمزية والأهمية كونها تجري في أعرق وأكبر الجامعات الأردنية، فهي تمثل أنموذجاً للمحاكاة للجامعات الرسمية والخاصة.
يكتب التاريخ أن الحركات الطلابية كانت دائماً محركاً ومؤشراً للتوجهات المستقبلية الاجتماعية والسياسية في الدول المختلفة، فالطلبة هم القادة وأصحاب القرار المستقبلي القريب.
شاهدنا وما زلنا نشاهد كيف كان الحراك الطلابي في أعرق الجامعات العالمية دعماً لفلسطين بحيث لم تستطع إدارات الجامعات تلك إلا أن تنصاع لرغبات الطلبة، وظهرت لوحات إنسانية حيّة معبّرة عن أرقى المشاعر الصافية الخالية من أية مصالح جهوية، فقط هو انحياز ضد الظلم والقهر والقمع والإبادة التي تمارسها دولة الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة ومناطق الضفة الغربية.
مشهد طلابي عالمي غير مسبوق يدلل على أن الإنسانية تظل هي البوصلة والتوجّه والرؤية والغاية النبيلة لكل إنسان مهما كانت طائفته ومعتقده وهويته ولونه وعرقه.
أتذكر جيداً ذلك الحراك الطلابي الوطني العفوي الذي مارسناه في نهاية ثمانينيات القرن الماضي بعد عودة الحياة الديمقراطية في الأردن، ومع حرب الخليج الأولى، حيث جرت الانتخابات الطلابية حينها ضمن توجهات سياسية بالدرجة الأولى، ولم تكن هناك شعارات جهوية أو عشائرية أو طائفية، فقط كانت الشعارات سياسية ما بين يمين ووسط ويسار، كان الحلم بإنشاء اتحاد عام لطلبة الأردن ينضوي تحت لوائه كافة طلبة الأردن باختلاف مستوياتهم وجامعاتهم وتخصصاتهم.
كان الاتحاد العام لطلبة الأردن أقرب ما يكون للتحقق، لولا انحراف البعض لمصالح حزبية ضيقة، ليتحول إلى ما سمي بمجلس الطلبة الذي تطور عن الجمعيات الطلابية التي كانت تمثّل الأقسام والكليات، ولم يكن هناك تمثيل طلابي على مستوى الجامعة.
كانت هناك تكتلات طلابية تستند إلى التوجهات السياسية، ولم تكن الحاجة قد ظهرت لعسكرة الانتخابات أو الحاجة للحماية الأمنية بالشكل الملاحظ الآن.
ومع تطور الحالة الطلابية، كان المفترض منطقياً أن ينحاز الطلبة إلى القبول الديمقراطي بما ينتج عن صناديق الانتخابات الطلابية، كان المفترض أن ترقى الحالة الطلابية لتقدم مشهداً انتخابياً حضارياً يعبّر عن وعي سياسي متقدم لهذه الفئة التي تعتبر المخزن والمصنع للقيادات في الدولة.
ما جرى وما يجري وما سيجري من مشاهد موجعة في الانتخابات الطلابية في مختلف الجامعات، يدلل على أن هناك نكوصاً وتراجعاً كبيرين عن الحالة الديمقراطية الحقيقية، حيث ثمة تعريف للديمقراطية بأنها فقط حين أصل من خلالها للمقعد، وإلا ستصبح حالة من العداء والخصومة الشديدة بين الطلبة.
لا أريد القول أننا ما زلنا بحاجة لجرعات من الوعي الطلابي والسياسي حتى نصل إلى القبول بما تنتجه صناديق الانتخابات، فالديمقراطية لا علاج لها إلا بمزيدٍ من الديمقراطية، تماماً كالحريات التي تتطلب جرعات من الحرية كلما تم تضييق الخناق عليها.
ما زلنا نراهن على الوعي الطلابي رغم كل الحوادث التي تعيق هذا الوعي من ممارسات أبعد ما تكون عن المشهد الطلابي المنشود.
حين ولجت إلى قاعة المحاضرات رافقني أحد طلبتي فسألته: ما رأيك في الانتخابات الطلابية، أجابني: والله يا دكتور أنا متورط فيها لأن لي ثلاثة أبناء من العمومة مرشحين أنفسهم، قلت له: هل تورطك فقط لأنهم أبناء عمك، أجاب: نعم فالأولوية للدم والعشيرة والمنبت، وليس مهماً الفكر والرأي السياسي ولا حتى شخصية المرشح.
كم أتمنى أن يجيء يوم يكون فيه جميع الطلبة معنيين بالانتخابات على خلفيات فكرية وسياسية وعلى أرضية من الكفاءة والجدارة، لا على الاستناد لأية فرعيات أخرى.
تابعوا نبأ الأردن على