د.ماجد الخواجا يكتب: هل انتهى عقد الربيع العربي

{title}
نبأ الأردن -
عشرية كاملة عاشها العالم العربي في توترات وأزمات وحروب داخلية، فلم تنج دولة من أثر أصابها ما بين حشودات جماهيرية ومطالبات شعبية واعتصامات ومسيرات وتخلٍّ عن السلطة أو انتزاعها من القائم عليها، وصولاً إلى تفجيرات وعمليات عسكرية كادت أن تأكل اليابس قبل الأخضر في عديد من الدول العربية.
حين بدأت الثورات الشعبية التي اتسمت في انطلاقاتها بالسلمية والشبابية البعيدة عن التوجهات السياسية أو الدينية والتدخلات الطائفية والمذهبية الداخلية منها والخارجية، كانت تنادي بمطالب محددة تتمثل في منسوب الحريات والكرامة والديمقراطية وتداول السلطة وفرص العمل والحياة اللائقة ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين، وهي شعارات لا يختلف عليها عاقل.
لم يكن في وارد تلك الثورات العفوية الأولى إقحام الطائفية والمذهبية والعشائرية وغيرها من الولاءات الفرعية بأن تصبح في الواجهة وأن تتغير السواري وتتبدل الغايات، حتى وصل الحال إلى ضبابية كاملة في المشهد العربي، لا تستطيع فيه أن تنحاز لموقف أو جهة وأنت مطمئن بأنها نقيّة وطنية لم تتلوث بأية أمور خفية وسريّة.
ثورات استمرت ووصلت إلى ذروتها ما بين الأعوام 2011 ولغاية 2013، فكان المشهد يشي بأن هناك تغييرات جذرية حاسمة ستعيد تشكيل الصورة والنظام السياسي في معظم إن لم يكن في جميع الدول العربية.
ولأن الثورات المنقوصة أو غير المكتملة هي أسوأ بكثير من بقاء الحال على ما هو عليه، وحيث الشواهد التاريخية بيّنت أنه لا توجد ثورة شعبية مكتملة وصلت إلى غاياتها في أي مجتمع كان، وهذا ما حدث مع الربيع العربي عندما تغلغلت في أوساط الشباب مجموعات حزبية لكل منها أهدافها، ناهيك عن الأنظمة السياسية التي مارست كافة الاحتمالات فتراخت هنا وتشددت هناك، إلى أن عادت لسطوتها وهيمنتها واستحواذها على مفاصل الدولة، حتى وصلنا إلى عودة النظام السياسي وربما بصورة أشدّ، فيما اكتوت شعوب أخرى بلهيب التمردات من جهة والتشبّث بالسلطة من جهةٍ أخرى. ونأت دول بعدم احتراق أصابعها وبالحد الأدنى من المعارضة الشعبية، مع حيرة كاملة في المشهد السياسي في العراق ولبنان والصومال، ولم تنج من كل تلك الحراكات غير جيبوتي وموريتانيا.
لقد جاءت عودة سوريا إلى الجامعة العربية وكأنها تعني نهاية الربيع العربي المحمل بالوجع والخسائر والضحايا، وحيث تشير كافة التقارير أن خسائر الربيع العربي بالتريليونات من الدولارات، بل هناك من يرى صعوبة تقدير حجم الخسائر المذهلة، ما بين دول كانت مكتفية ذاتياً وبلا مديونية تذكر، إلى دول فاشلة عاجزة مقيّدة مدمرة تتطلب عمليات إعادة بنائها عشرات السنين من أجل أن تعود لما كانت عليه قبل الربيع العربي.
نتحدث عن دول إنهارت اقتصاداتها وعملاتها وتهجّر خيرة شبابها وتراجعت فيها مستويات التعليم والصحة وزادت نسب الفقر والمرض والجهل.
مشهد عربي بائس بامتياز، حين كنت في بغداد سألت معظم من التقيتهم سؤالاً: ماذا بعد؟ أجاب الجميع: كلنا تعبنا مما فعلنا، كلنا نريد أن نعيش وأن نفرح وأن نرسم شيئاً من الحياة في القلوب. لقد شبعنا قتلاً وتهجيراً وأمراضاً ومعتقلين وإرهاباً.
فهل يكفي الاعتراف بالتعب كي نغلق الدفاتر ونضع الأقلام ونبدأ سطراً جديداً وكأن شيئاً لم يكن؟
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير