ذكرى البكاري تكتب: راتبي 120 ألف دولار

سألني أحدهم ذات يوم
كم راتبك؟ أعلم أن الرواتب في دول الخليج وخاصة في دبي مرتفعة جدا
فقلت له: نعم، جدا جدا
أتقاضى 120 ألف دولار
قال: ما شاء الله، 120 ألف دولار في العام، مبلغ محترم جدا يؤمن لك الرفاهية ويحقق أحلامك المادية في وقت وجيز جدا كما يمكنك من خلاله مساعدة الآخرين ممن يحتاجون لدعمك
قلت له: لا، أتقاضى هذا المبلغ شهريا وليس سنويا!
صدم واختلطت مشاعره بين ذهول يطل من عينيه، وبين تمنيه أن يُرزق براتب مثل راتبي، وقبل أن يقفز من بئر الحيرة الذي غرق فيه، انتشلته قائلة: أقسم لك أن راتبي أقل بكثير من هذا المبلغ، ولكنه يضاهيه تماما.
لم أتركه يسبح كثيرا في أسئلته ففسرت قائلة:
أيا يكن الراتب الذي أتقاضاه هنا، فانه يساوي عندي 120 ألف دولار في الشهر، أتعامل مع راتبي على أنه مبلغ كبير جدا، لأنني أتقاضاه ثمنا لأشياء غالية، لا تُعوض! تشرق شمس جديدة ثم تغيب مئات المرات المتتالية دون أن تراها تملأ وجه أمك الذي اغتالته التجاعيد في غيابك، تمر الفصول متعاقبة دون أن تجلس مع أصدقاء الطفولة تسترجعوا ذكريات لا تُنسى، تتعود على الوجبات الباردة والوسادات الفارغة والجدران التي تكاد تتكلم لتخفف عنك وحدتك.
تمرض ثم تشفى ثم تمرض ثم تشفى ولا أحد يكترث لذلك سوى مدير الموارد البشرية الذي يرصد أيام تغيبك عن العمل.
راتبي يا صديقي هو أكبر مما تتخيل، لذلك عندما أمنح جزء منه لأحد، فإنني أمنح جزءًا من شيب أبي وقصر نظره، ومن سنوات غربتي التي اختلطت فيها دموع الفقد والحنين بدموع فرح بنجاح لم يتقاسمه معي أحد!