عمل الأطفال جريمة بكل حال

{title}
نبأ الأردن -

نبأ الأردن - كتب د.ماجد الخواجا - بتداءً فإنه يمكن تعريف أية أعمال يقوم بها الأطفال سواء برغبتهم أو بإجبارهم عليها، أنها تندرج تحت مفاهيم خرق حقوق الطفل والمنبثقة عن حقوق الإنسان.
إن عمل الأطفال ليس وليد مرحلة تاريخية أو مجتمع محدد، بل ربما وجد بأشكال مختلفة ومستويات متعددة في كافة المجتمعات وعبر كل المراحل التاريخية.
إنها منظومة متكاملة من انتهاك الطفولة بذرائع جاهزة تبدأ بالحاجة المادية والتفكك الأسري، ولا تنتهي بالإستغلال الجنسي والعسكري وصولاً إلى التجنيد للأطفال في مجالات الأعمال الإرهابية.
إن عمل الأطفال لا يقف عند حدودٍ معينة حتى نستطيع القول بإمكانية التعامل معه ومعالجته، فهو ينعكس اقتصادياً على الأسرة التي قد يكون الطفل هو المعيل لها، ينعكس صحيّاً عندما يعمل الطفل في ظروف خطيرة وغير آمنة وذات ضررٍ مباشرٍ على صحته، ينعكس تربوياً عبر زيادة نسب التسرّب المدرسي والعزوف عن الالتحاق بها بسبب العائد المادي الذي يصبح له الأولوية لدى الطفل أكثر بكثير من فكرة التعلّم والتعليم التي تتطلب قضاء وقت لا بأس به من يومه انتظاراً لمردودٍ مستقبليٍ قد لا يأتي، ينعكس اجتماعياً على السلم المجتمعي عندما يصير الطفل فجأةً وسط مجتمعٍ لا يرحم، وقد يتحول إلى شخصٍ قابلٍ للإنحرافات المتعددة وصولاً للتشرّد أو العنف أو الإدمان أو الانخراط في عصابات إجرامية وحتى إرهابية.
إن عمل الأطفال يواجه فيه الطفل كافة أشكال التعسّف والظلم الاجتماعي، لكنه أيضاً قد يكون باباً واسعاً للطفل في رفض العودة لطفولته نتيجة بعض المغريات المادية وبعض الحرية الشخصية وربما نتيجة انسياقه في تبنّي سلوكات وممارسات لم يعد من السهولة التخلّي عنها.
تشير الأرقام الصادرة عن الجهات المعنية بالطفولة أن عمل الأطفال يتزايد ويشتد ضراوة وقسوة فيمعظم دول العالم، وأنه بالرغم من توقيعها على الاتفاقيات والقوانين الدولية الهادفة لحماية حقوق الطفل في حياةٍ آمنةٍ وحد أدنى من الرفاهية التي تضمن للطفل حقوقه الاجتماعية والصحية والنفسية.
ويبدو أن كثرة الأزمات التي يمرُّ بها العالم، ساهمت بشكلٍ مباشرٍ في تغذية وتنامي انتشار عمل الأطفال، وتظهر أرقام ما بعد العشرية الأولى من المئوية الأولى للألفية الثالثة، أن المنطقة العربية شهدت حراكات تطالب بالحرية السياسية والعمل والكرامة، ومع امتداد هذه الحراكات والقمع الذي واجهته وتدخل الجهات الخارجية في تلك الحراكات التي وصلت في بعض الدول إلى حرب ٍقاسيةٍ كان أول ضحاياها الأطفال والنساء وكبار السّن، ومع بروز التنظيمات الإرهابية فقد تم تجنيد الأطفال ليصبحوا مقاتلين في حروبٍ طاحنةٍ كانوا فيها الشرارة والوقود والحطب لها.
كما أن استمرار اللجوء والهجرات الداخلية والخارجية التي حرمت الأطفال من العيش في كنف عائلاتهم وأوطانهم، جعلت منهم في أحايين كثيرة مجالاً واسعاً للإتجار بهم واستغلالهم في التجارة الجنسية وبيع الأعضاء والاستغلال الإقتصادي لهم في العمل الشاق المجهد الطويل بلا ضمانات أو تأمينات أو أية حقوق أساسية.
حتى الأطفال الذين بقوا في أوطانهم المبتلاة بالحروب والفتن الداخلية، فقد اصبحوا بلا مأوى وبلا تعليم وبلا رعاية صحية أو عناية مجتمعية، ولم يكن من خيارٍ أمامهم غير البحث عن أية فرصٍ للعمل مهما كانت طبيعته أو صعوبته.
أما الأطفال الذين وجدوا أنفسهم في مخيمات اللجوء، فلم يكن حالهم بأفضل من حال أقرانهم في أوطانهم، لأن هناك عائلات فقدت ربّ الأسرة أو المعيل لها، وأصبح الطفل بين عشيةٍ وضحاها مسؤولاً عن رعاية العائلة وتأمين احتياجاتها الأساسية.
حتى في الدول التي لم تجرِ فيها حروب واقتتال داخلي، فهي مع معاناتها الإقتصادية والاجتماعية، فقد تدنت مستويات التعليم الأساسية ولم تعد تلبّي الحاجات التعليمية للأطفال كماً ونوعاً. إضافة إلى تدنّيمستويات الرعاية الصحيّة التي تقدّم للأطفال، وانعدام فرص العمل اللائقة في تلك المجتمعات. ومع ظهور عادات اجتماعية تعلي من الإنحدار الأخلاقي والقيمي لدى الأفراد وخاصةً أجيال ما تدعى بالأجيال السيبرانية، وهي أجيال تتصف بالتفاعل مع العالم كله والعزلة الاجتماعية المباشرة عن أقرب الناس. كما أنها تعمل على إعادة تشكيل شخصية معولمة تتشابه في سماتها واهتماماتها وأولوياتها.
تشير أرقام المنظمات الدولية المعنية بالأطفال وحقوقهم " منظمة العمل الدولية" أن هناك 168 مليون طفل يرزحون تحت نير عمل الأطفال في العالم لعام 2015، وقد تغيّر العالم للأسوأ في كثيرٍ من شؤونه خاصةً في ظل تفشّي الوباء العالمي كوفيد – 19 الذي أصاب العالم في شللٍ تامٍ، وتأثرت الدول سلبياً في زيادة معدلات البطالة وانتشار العنف الاجتماعي وزيادة مستويات الفقر والأميّة وتدنّي الرعاية الصحية الأساسية. وهناك دول كثيرة لا يذهب طفل من كل ثلاثة أطفال إلى المدرسة، مثل دول إفريقيا الوسطى، كما أن الأرقام تظهر بأن 25% من الأطفال في الدول منخفضة الدخل يمارسون العمل، فيما تنخفض النسب في الدول متوسطة ومرتفعة الدخل، لكن هذا المؤشر ليس دالاً لوحده أو كافياً لتقرير أن الحاجة المادية هي السبب الرئيس في عمل الأطفال، فهناك عديد من المؤشرات التي ينبغي الالتفات إليها عند تحليل عوامل عمل الأطفال.
لا يستطيع العالم وضع مسطرة واحدة لعمل الأطفال وما ينتج عنها، فالمجتمعات تتنوع وتختلف عاداتها وتقاليدها بحكم تاريخية وتركيبة المجتمع السكانية والبيئية والاقتصادية، هناك مجتمعات تقوم علة عائلية الحرف والمهن، والتييتم توارثها أباً عن جدّ، ومجتمعات تقوم على الزراعة وحراثة الأرض، وهي حرف تتطلب تآزر العائلة باكملها من أجل إنجاز العمل، فنشاهد أطفالاً صغاراً يعملون مع أهاليهم دون أن يكون في ذهنهم مفاهيم الاستغلال الاقتصادي للطفل أو عمل الطفل أو الإتجار به، بل قد يرون في عمله معهم أنهم يقومون بالواجب المفروض عليهم في تنشئة الطفل وتربيته.
إن عمل الأطفال مشكلة معقده لها جذورها في العادات والتقاليد والثقافة ومستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي. وليس هناك تعريفا" موحدا" متفق عليه يتم اتباعه في كل الدول. إلا انه يمكن تعريــــف "عمل الأطفال " بأنه كل جهد جسدي يقوم به الطفل ويؤثر على صحته الجسدية أو النفسية أو العقلية ويتعارض مع تعليمه الأساسي وكما نصت عليه اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (138) لسنــــــة (1973) بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (182) لسنـــــــة (1999) بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها.
ويشمل تعبير أسوأ أشكال عمل الأطفال كما ورد في المادة (3 ) من الاتفاقية رقم (182) ما يأتي:
1- كافة أشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرّق، كبيع الأطفال والإتجار بهم وعبودية الدين والعمل القسري أو الإجباري، بما في ذلك التجنيد القسري أو الإجباري للأطفال لاستخدامهم في صراعات مسلحة.
2- استخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لأغراض الدعارة أو لانتاج أعمال إباحية أو أداء عروض إباحية.
3- استخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لمزولة نشاطات غير مشروعه ولا سيما إنتاج المخدرات بالشكل الذي حددت فيه المعاهدات الدولية ذات الصلة بالمخدرات والاتجار بها.
4- الأعمال التي يرجح أن تؤدي بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي.
هناك ثلاثة مفاهيم متعلقة بالأطفال تتضمن مفهوم الأطفال النشيطين اقتصادياً وهو أوسع ويحتوي مفهوم عمل الأطفال الذي بدوره أوسع ويحتوي مفهوم أسوأ أشكال لاعمل الأطفال. وهذه المرونة في التعريفات منحت الدول المشاركة بفعالية في تحديد أي الأعمال والتصنيفات لها تبعاً لسياقاتها المجتمعية والاقتصادية والثقافية.
غالباً ما يعمل الأطفال لأسباب اقتصادية واجتماعية حيث أنهم ينتمون لأسرٍ فقيرةٍ. أما أسباب فقر الأسر فيعود إلى افتقار الأسر إلى مقومات ممارسة العمل المنتج، سواء كانت المهارة أو الوظيفة أو المال أو الأرض. ويعمل الأطفال لاعتقادهم بان فوائد العمل اكبر من فوائد التعليم أو لاًن نوعية التعليم متدنية، كما يعتبر تأثير الوالدين على الطفل من الأسباب المهمة لعمل الأطفال، حيث يفضل الوالدين التحاق أطفالهم بسوق العمل على بقائهم على مقاعد الدراسة، كما أن الجهات التي تستخدم الأطفال صاحبة المصلحة تشجّع الطفل وذويه على الانسحاب من التعليم والالتحاق بالعمل.
يمكن اعتبار العامل الاقتصادي هو السبب الأساس في توجّه الطفل نحو العمل. أما الأسباب الأخرى، وأهمها الاجتماعية والتعليمية، فتأتي في الدرجة الثانية من حيث الأهمية.
وفيما يختص بواقع عمل الأطفال في الدول العربية، فهي تظهر أرقاماً لا يمكن التعويل كثيراً على صحتها ودقتها، حيث الاختلاف في تعريف مفهوم عمل الطفل، وفي تحديد عمر الفرد الذي تنطبق عليه شروط عمل الطفل، وأيضاً لعدم توفر احصائيات محدّثة، لكن يمكن القول بأن أكثر الدول العربية التي ينتشرفيها عمل الأطفال تتمثل في الصومال واليمن والسودان والعراق وسوريا ولبنان ومصر وتليها تونس والجزائر والمغرب وليبيا والأردن ولبنان ويقلّ عمل الأطفال حتى يكاد ينعدم في دول الخليج عموماً، وهذا يؤكد أن العامل الإقتصاديله دورٌ رئيس في انتشار عمل الأطفال.
إن العالم كان يعوّل على الوصول إلى عالم خالٍ من عمل الأطفال في نهاية عام 2025، لكن الواقع يظهر صعوبة تحقيق ذلك لأن عمل الأطفال قد ازداد خلال الخمس سنوات الماضية بشكل مرعب، وهذا يستدعي جهوداً وأنشطة إضافية في مختلف الدول لمكافحة عمل الأطفال، هذا العمل المدان بكافة المقاييس، وهو وصمة عار في جبهة البشرية التي لم تستطع حتى الآن الحدّ منه فقط وليس القضاءعليه.





د.ماجدالخواجا
تابعوا نبأ الأردن على