د.زهور غرايبة تكتب : بين النصوص والممارسة... تتسع الفجوة... ويُهدَّد الصحفيون

نبأ الأردن -
جاءت الأوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك عبد الله الثاني كمحاولة جادة لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتأسيس مرحلة سياسية جديدة تُبنى على سيادة القانون، واحترام الحريات، وتفعيل دور المواطنين والمواطنات في الحياة العامة والسياسية، ومن هنا، فإن أي انتهاك لهذه المبادئ لا يُعد خرقًا فرديًا، بل يشير إلى تقويضٍ مباشرٍ لأسس المشروع الإصلاحي والديمقراطي.
حين يُهدَّد صحفيان أثناء تأدية عملهما، ليس لمخالفة القانون، إنما قاما بدورهما في طرح الأسئلة، فإن ذلك لا يثير القلق فقط على مستقبل الصحافة، بل على مستقبل الحوار الوطني بأكمله، فالمشكلة لا تكمن في طبيعة ما قاله الصحفيان، بل في حقيقة أن النقد، مهما كان بنّاءً، لا يزال يُستقبل من بعض المسؤولين كعدوان شخصي يستوجب الرد عليه بالترهيب.
هذه الواقعة لا تأتي في فراغ؛ إنها جزء من مناخ أوسع تتراجع فيه ضمانات التعبير لصالح لغة السيطرة، في الوقت ذاته، يستمر مشروع لجان التحديث السياسي في إعلان التوصيات حول توسيع المشاركة السياسية والانفتاح على النقد، دون أن تتوفّر أدوات الحماية الأساسية لمن يشاركون فعليًا في هذا الفضاء.
فإذا كانت الصحافة تُهدَّد، والنقاش يُخنق، والتساؤل يُقابل بالتخوين أو التهديد، #فكيف يمكن للشباب أن يندفعوا نحو العمل العام؟ وكيف يمكن أن تُقنع أي جهة فئة جديدة بالانخراط، فيما من ينخرط فعليًا يجد نفسه ملاحقًا أو مستهدفًا؟
في حقيقة الأمر لا تُقاس الديمقراطيات بما يُكتب في النصوص، بينما بما يُمارس على الأرض، وبين الورق والواقع، تتسع الفجوة كلما صمتنا عن التجاوزات، وكلما قُيّدت حرية التعبير تحت ذرائع فضفاضة.
إن المطلوب اليوم ليس إعادة صياغة الشعارات، لكن يجب مراجعة جذرية للسلوك تجاه الإعلام، تبدأ بالاعتراف أن حرية الكلمة ليست خطرًا على الدولة، بل ضمانة لاستمرارها.