عريب الرنتاوي يكتب: طلاب طهران وشباب بغداد

{title}
نبأ الأردن -


هي المصادفة التي جعلت ”التزامن“ ممكناً، بين هبّة طلاب إيران، وتجدد احتجاجات شباب العراق، لكنها مصادفة من النوع الذي يتكشف ”ضرورة“، فأنماط الحكم والسيطرة القائمة على ضفتي شط العرب ليست من النوع الذي يستسيغه القرن الحادي والعشرون..
والمؤكد أن الطلاب والشباب هم الأكثر ضيقاً بهذه الأنماط، وبدل البحث في جذور ”نظرية المؤامرة“ وتشعباتها، يجدر بالقائمين على النظامين النظر إلى دواخلهم، فهناك يكمن جذر العلّة.
لا يعني ذلك، والعبارة مستعارة من ”شيخ الصحفيين العرب“ محمد حسنين هيكل، أن ليس هناك مؤامرة في التاريخ، لكن التاريخ ليس مؤامرة، هو حلقة متصلة من جدلية السبب والنتيجة، وأسباب ما جرى ويجري ليست خافية على أحد، و“تلكم آثارنا تدل علينا.. فانظروا من بعدنا إلى الآثار“، هذا لمن أراد حل الأزمات بدل ترحيلها، وتعليق المسؤولية عنها على مشاجب الآخرين.
النظام في إيران في قلب دائرة استهداف عالمية، لمعسكر طويل وعريض تقوده الولايات المتحدة.. تلكم واحدة من مسلمات السياسة الدولية الراهنة، وما يصح على إيران يصح بالقدر ذاته، زيادة ونقصاناً، على حلفائها العابرين لحدود الإقليم..ومن غير المستبعد، بل من الطبيعي والمرجح، أن تعمد هذه الجبهة إلى توظيف مكامن الضعف والخلل لتقويض النظام، لإضعافه إن تعذرت الإطاحة به..
لا يتعين على إيران أو أي من حلفائها أن تصرف الكثير من الوقت والجهد لإثبات ”دور العامل الخارجي“ فيما يجري، ولكن عليها قبل كل شيء أن تبحث في ”دور العامل الداخلي“، فهنا مربط الفرس، هنا الوردة فلنرقص هنا.
عند التوقيع على اتفاق 2015، عشيته وغداته، اندلع جدلٌ طويل وعريض وعميق: كيف يمكن للتغيير أن يشق طريقه إلى إيران؟.. يومها ركّز خصوم الاتفاق النووي على الحاجة لإبقاء إيران تحت الضغط والتهديد، وقال أنصاره إن تفاقم ”التهديد الخارجي“ يعطّل التغيير الداخلي..
شخصياً، كنت من أنصار نظرية ”السيناريو السوفياتي معدلاً“ للتغيير في إيران، بمعنى أنه بغياب ”العدو الرابض على الحدود“ ستتفاعل عناصر التغيير وقوى التغيير في الداخل الإيراني، بعد أن تفقد ”حكاية الجبهة الداخلية“ الكثير من مبرراتها، وتصبح السلطات أمام أسئلة احتياجات الناس وأولوياتهم الحارقة.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن السؤال عن ”سيناريوهات التغيير في إيران“ طرح ويطرح سؤالاً فرعياً مشتقاً: من هي قوى التغيير في إيران، هل هم ”المجاهدون“ في الخارج، أم قوى البازار والطلاب والنساء والطبقة الوسطى في الداخل؟..
التجربة دللت على أن ”بعض“ معارضات الخارج“، ونقول بعض وليس جميع، تصلح للعمل كرأس جسر لخصوم البلد وأعدائه، و“طابور خامس“ و“ذراع تجسس“، بيد أنها لا تصلح لصنع التغيير وقيادته..
تجربة العراق المجاور تقدم الدليل، إذ من دون ”اجتياح“ أمريكا للعراق ما كان لمثل هذه المعارضات أن تصل للسلطة، وبعض تجارب ”الربيع العربي“ اللاحقة تقدم دليلاً إضافياً على ذلك. خلاصة القول، إن ”التهديد الأكبر“ الذي يواجه النظام في إيران يكمن في الداخل، وطريق طهران للتغيير لن يكون بعيداً، وإن اختلف في بعض جوانبه عن طريق ”البيريستروكا“..
والشيء ذاته ينطبق على العراق، فحلفاء إيران هناك، وفي غيره من الساحات، ”يستعيرون“ بعض أو معظم عناصر التجربة الإيرانية، ولعله من السذاجة التفكير باستنساخ أي نموذج لنظام في بلد، في بلد آخر، طالما أن لكل بلد تاريخه وسياقه وديناميّاته، فكيف إن كان النموذج المستهدف بالاستنساخ يكابد تحديات تسويقه وتسويغه في موطنه الأصلي..
ربما هذا ما يفسر إلى حد بعيد اندلاع انتفاضة تشرين العراقية في قلب ”الحاضنة الاجتماعية“ لحلفاء إيران، وضد أحزاب وميليشيات وسلطة محسوبة عليها أكثر من غيرها.


تابعوا نبأ الأردن على