الإسراء والمعراج.. بشارة بنهضة الأمّة وريادتها من بعد ضعف
نبأ الأردن- فقأت الدعوة الإسلامية، عينَ الخُرافةِ والضعف والفرقة في وجدان العرب، فوحدتهم تحت ظلال رايتها التي أعجزت الامبراطوريات العالمية في مجاراة دفقها او الوقوف في طريق مدّها وهيمنتها على العالم.
ومن بين أكثر اللحظات تجليّاً لعظمة الرسالة المحمدية الخالدة، كانت محطة الإسراء والمعراج، بما هي رحلة إعجازٍ أنبأتْ بما يليها من قفزات هائلة للدعوة التي كانت على أُهبة أن تصبح دولة أحكمت قبضتها على المشهد التاريخي العالمي حتى غدت محطةً فارقةً في سيرة الانسانية منذ الخليقة وحتى يرث اللهُ الأرض وما عليها.
فلم يكن جوهر رحلة الإسراء والمعراجِ محض تسرية وتسلية لقلبِ النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كانت رحلة تربية وتهذيب لأُمة الإسلام، لتتبيّنَ طريقها.
وأكد علماء دين لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أنّ ليلة الإسراء والمعراج التي تحلُّ ليلة السابع والعشرين من رجب من كل عام، دليل على حقيقة أنه مهما أحاطت بهذه الأمة من ظروف صعبة، ومهما ضعفت هذه الأمة، فإن حادثة الإسراء والمعراج تُعلّمُ أجيال الأُمّةِ حسن الظن بالله تعالى والثقة بنصره وتمكينه.
ولعظمة هذه الحادثة وجلال قدرها، قال سماحة مفتي عام المملكة، الشيخ عبد الكريم الخصاونة، إن هذا اليوم من أيام شهر رجب المحرّم، وهو من الأيام المستحب فيها الصيام، لقوله صلى الله عليه وسلم “صم من الحرم واترك”، إذ قالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، لكنّ تخصيص الصوم في هذا اليوم بالذات، لم يرد فيه نص، فمن شاء صامه ومن شاء افطر.
وأضاف سماحته، أن حادثة الإسراء والمعراج المباركة، من أعظم الأحداث التي مرّت في تاريخ الأمة الإسلامية، ولا زالت حاضرة في وجدانها لأنها من أيام الله التي يعتز المسلمون بها ويفرحون بمقدمها لما لها من فضل وبركة، إذ حدثت في شهر رجب الأغرّ.
وأشار إلى أن تلك المعجزة العظيمة أظهرت فضل النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته عند الله تعالى، وجاءت لتبشر الأمة الإسلامية بأنها خاتمة الأمم وآخر اللبنات في صرح النبوات العظيم، وأن الله تعالى أوكل لها القيادة والريادة، وجعلها أوسط الأمم لخيريتها وشاهدة عليها، يقول الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران: 110، ويقول سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة: 143.
واستكمل حديثه قائلا :” لقد تجلت بشارات الإسراء والمعراج للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده منذ اللحظة الأولى التي هبط بها جبريل عليه السلام ومعه البراق مُلْجَمًا مُسْرَجًا، وطلب منه جبريل الركوب عليه فتحرك البُراق وَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ “، قَالَ: «فَارْفَضَّ عَرَقًا» سنن الترمذي”.
ولفت الى أنَّ الله تعالى عقد للمؤمنين بمعجزة الاسراء والمعراج الرباط العقائدي الوثيق لهذه الأمة ببيت المقدس، وتوثيق بعد توثيق للروابط الإيمانية بالبلد المقدس إلى قيام الساعة، وليكتمل هذا الأجيال الأمة رباط المُقدس بفرض أعظم ركن من أركان الإسلام في تلك الليلة المباركة وهو الصلاة، وأن تكون القبلة الأولى لهذا الركن العظيم هو المسجد الأقصى المبارك، ليتأكد الميثاق الرباني بين هذه الأمة ومسجدها.
بشارة نهوض الأُمّةِ وعلوِّ شأنهاوبين الخصاونة، أنّ الله تعالى بشّر هذه الأمة بالنهضة والرقي، وأنّها الأمة الخاتمة التي استلمت ميراث الأنبياء عليهم السلام من لدن آدم عليه السلام وحتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتقوم بمهمة الاستخلاف وحمل أمانة الدين لإقامة الحق والعدل وفق المنهج الرباني القويم.
وأضاف يتجلى ذلك الأمر حين صلى النبي عليه الصلاة والسلام إماماً بالأنبياء في المسجد الأقصى، وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم « وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فحانت الصلاة فأممتهم” صحيح مسلم، إذ أنّ إخراج الأنبياء السابقين عليهم السلام وإمامة النبي صلى الله عليه وسلم بهم في تلك الليلة إشارة إلى ختام الرسالات بنبينا صلى الله عليه وسلم، وأن المسلمين هم من يحملون رسالة الأنبياء ومنهجهم في الرحمة والهداية والسلام إلى البشرية جمعاء، وأن خلاص البشرية ونجاتها لا تكون إلا بريادة الإسلام ونهضته.
ورأى الخصاونة أنه مهما أحاطت بهذه الأمة الظروف والصعاب، ومهما ضعفت هذه الأمة، فإن الإسراء والمعراج يعلمنا حسن الظن بالله تعالى والثقة بنصره وتمكينه، وكما كانت الكرامة والمكانة للنبي صلى الله عليه وسلم وكرامته على الله تعالى وكما جاءت رحلة الإسراء والمعراج لتكون تفريجاً للكرب الذي عاشه رسول الله، وما لاقاه من أذى قريش وأهل الطائف، فكذلك هي إعلان لجميع المؤمنين الصادقين أنه متى ما أغلقت أبواب الأرض فتحت أبواب السماء ومتى ما انقطعت النصرة من الأرض جاءت النصرة من السماء، وأن من فرّج كرب النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة المباركة قادر على أنه يفرج هموم الأمة الإسلامية وأن الله سبحانه وتعالى ما زال ولم يزل موجوداً لا يغفل ولا ينام ، فهي بشرى للمضطهدين في كل زمان ومكان أن الذي نصر محمدا ليلة الإسراء والمعراج قادر على أن ينصر أمته في أي وقت وأي زمان.
وأوضح أنه مهما خيّم الظلام على مقدساتنا الإسلامية ومسجدنا الأقصى قبلتنا الأولى، فإن عقيدة المسلمين ووجدانهم سيبقى مرتبطاً بالمسجد الأقصى المبارك واثقاً بتحقق وعد الله سبحانه وتعالى في قوله سبحانه وتعالى: “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” الإسراء: 7.
وأكّد الخصاونة أنه في هذا الوطن الحبيب في المملكة الأردنية الهاشمية قيادة وشعباً نثق بأن المسجد الأقصى المبارك سيبقى حاضراً في وجدان المسلمين، وستبقى القيادة الهاشمية المباركة هم الأوصياء على المقدسات في القدس الشريف ينافحون عنها ويدافعون عنها في جميع المحافل الدولية والعالمية، وستبقى القدس قرة عين الهاشميين وجوهر قضيتهم، التي يبذلون في سبيلها ويؤدون بكل عز وإصرار دورهم التاريخي والشرعي في المحافظة عليها حاضرة في قلوب المسلمين، ولتبقى أبوابها مشرعة مفتوحة للقائمين والناسكين في جنباته.
من جهته، قال أستاذ الحديث الشريف في كلية الشريعة بجامعة آل البيت، الدكتور محمد مصلح الزعبي، إن حادثة الإسراء والمعراج حدث هام لا يتقادم عبر الزمان ولا يختلف من مكان إلى مكان، لأن فيه درس مهم، أراد الله أن يلقنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل لأمة الإسلام بأكملها وللناس كافة، بأنّ الأمل يولد من رحم الألم، ومن داخل المحنة تولد المنحة.
الزعبي وهو عضو رابطة علماء الأردن وعضو مؤسس في اتحاد الأكاديميين والعلماء العرب، أشار إلى أنه في ظل هذه الظروف العصيبة، ومن قلب المعاناة جاءت رحلة الإسراء والمعراج مكافأة ربانيّة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على ما لاقاه من آلام وأحزان طوال فترة الدعوة، وكأن الله تعالى يقول لحبيبه: يا محمد! إن كان اهل مكة وأهل الطائف قد طردوك فإن رب السماوات والارض يدعوك، لترحل من عالم الأرض إلى عالم السماء، فرفعه الله تعالى إليه ووضع عليه من حلل الرضا ما أنساه كل ما لاقاه من حزن وألم.
ولفت إلى أنه من الدروس المستفادة من هذه الحادثة الجليلة والرحلة العظيمة، بأن العبودية لله مقام رفيع وشرف عظيم، فسياق الآيات في رحلة الإسراء والمعراج، بقوله تعالى: ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا”وحكمة ذلك -والله اعلم- أنَّ الله تعالى أراد أن يخبرنا أن الإنسان الذي أسري به وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو بشرٌ مثلُكم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وليثبت لنا أن العبوديةَ لله هي أسمى المراتب وأعلى المقامات التي يصلُ إليها الإنسان، فهي لله عزّةٌ ورفعة، وعطاء وإكرام، ومرتبة سامية لا ينالها إلا من وفق لطاعة الله وفاز برضوانه.
الإسلام كلمة الله إلى الخلق ومن دروس وعبر الإسراء والمعراج، حسب الزعبي، تأكيد أن الأنبياء جميعهم أخوة ودينهم واحد وهو التوحيد، بدليل اقتدائهم بمحمد رسول الله وخاتم النبيين وأن جميع الأديان تخرج من مشكاة واحدة وتقديم النبي محمد صلى الله عليه وسلم عليهم وإمامته لهم: يدل على أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، ودليل على عالمية الإسلام، وعموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه حامل لواء الهداية للخلق جميعًا.
وأوضح أن من بين الدروس إظهار مكانة المسجد الأقصى المبارك، فالإسراء برسول الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يدل على عظم مكانة المسجد الأقصى وقدسيته، وربطه بالمسجد الحرام روحياً ودينياً عن طريق جعله قبلة المسلمين الأولى، وبإمامته للأنبياء والمرسلين فيه، وهذا الربط يدل على ّأن أي اعتداء على أحد المسجدين يعدُّ اعتداء على الآخر.
ومن هذه الدروس، هي تبيان أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام، ذلك أنها الفريضة الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة وبدون واسطة جبريل عليه السلام، وفقا للزعبي.
وبين أن هذه الرحلة كانت نقطة تحول في طريق الدعوة إلى الله وفيها إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه النبي الخاتم، وفيها دعم مادي ومعنوي لرسول الله بعد الظروف الصعبة التي مر بها وكذلك تكريمه بكشف مكانته التي لم يحظَ بها أحد من أهل السماوات والأرض، وإطلاعه على الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله.
وأشار إلى أنه كانت رحلة الإسراء والمعراج رحلة ربانية ومعجزة سماوية خارقةٍ لكل نواميس الطبيعة ومخالفة لكل القوانين البشرية، وفوق مستوى العقل البشري، وفيها اختبار لصبر المؤمنين وصدقهم في اتباعهم لدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتمحيصاً لهم، ذلك أنها لم تكن مجرد رحلة تسرية وتسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كانت رحلة تربية وتهذيب لنا، لننتفع بدروسها.
أمّا رئيس قسم اصول الدين في جامعة اليرموك، الدكتور محمد الحوري، فقال ان الأنوار تشرق بعد ظلمة الخطوب، ويتجلى اللطف الخفي عند اشتداد الكروب؛ فبعد أن بُلّغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة وكُلّف بالرسالة، قام فأنذر، وربّه فكبّر، وثيابه فطهّر، والرجز فهجر، وقد لاقى من قومه نفوراً شديداً، وصدودًا كبيراً، وأذى عظيماً.
وأضاف أن الأمر اشتد وعظم الخطب على الرسول الكريم، بوفاة زوجته خديجة رضي الله عنها و عمه أبي طالب، وقد كانا وزيرَيْ صدقٍ يحوطانه ويدفعان عنه؛ فانقطَعَتْ بوفاتهما من سبل الدنيا ووسائل أهل الأرض ما انقطع، فشكا قلة حيلته وهو انه على الناس ، قال بعد صدود أهل الطائف وأذيتهم – رافعا كفيه الشريفتين إلى السماء- : (اللَّهُمَّ إِلَيْك أَشْكُو ضعف قوتي، وَقلة حيلتي وهواني على النَّاس يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ إِلَى من تَكِلنِي؟…الخ) فجاءته البشرى الربانية، والجائزة الإلهية؛ معجزة أبدية علت مقاييس الزمان والمكان، رحلة أرضية، وهي رحلة الإسراء: من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس؛ تقفوها رحلة سماوية، وهي رحلة المعراج: من المسجد الأقصى إلى السموات العلى، يمر بكل سماء فيرحب به أهلها حتى بلغ مبلغاً لم يبلغه بشر قبله حين صعوده إلى سدرة المنتهى.
وأشار إلى أن كل ذلك حدث في ليلة واحدة، فهتفت هذه الحادثة العظيمة بجليل الدروس والسنن منها، ان العون والنصر الربانيّ إن تأخر فإنه لن يتخلف، وأنّ النصر والكرامة من مستحقات من تحلى بالعبودية لله تعالى.
عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة وأصول الدين الدكتور أمين دغمش، بيّن أن المقصود بالإسراء الرحلة التي أكرم الله بها نبيه محمداً- صلى الله عليه وسلم – من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، وأما المعراج فهو ما أعقب ذلك من العروج به -صلى الله عليه وسلم- إلى طبقات السماوات العلا ثم الوصول به إلى حد انقطعت عنده علوم الخلائق، كل ذلك في ليلة واحدة.
وقد أشار القران الكريم إلى كلتا الرحلتين في سورتين مختلفتين، وذكر قصة الإسراء وحكمته بقوله: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير ) سورة الإسراء آية رقمُ : (1 )، وقوله تعالى: ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) سورة النجم آية رقم( 13-18 )، فرأى محمد –صلى الله عليه وسلم – ليلة المعراج ملكوت الله، ورأى سدرة المنتهى والبيت المعمور والجنة والنار، وجبريل -عليه السلام- وقد ورد ذكر هذه المعجزة في صحيح السنة النبوية المشرفة .
وشدّد على أنه في ظلال هذه الذكرى، ظهرت مكانة المسجد الأقصى المبارك، ومدى العلاقة الوثيقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى؛ فالله –عز وجل- كان قادرا على أن يعرج بنبيه -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى سدرة المنتهى مباشرة، ولكن أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليبّين بركة هذا المسجد ومكانته، وارتباطه بالمسجد الحرام، ومنها ضرورة المحافظة على هذه الأرض المقدسة، وحمايتها من مطامع الدخلاء وأعداء الدين، وكأن الحكمة الإلهية تهيب بمسلمي هذا العصر أن لا يهنوا ولا يجبنوا ولا يتخاذلوا أمام عدوان الكيان الصهيوني على هذه الأرض المقدسة، وأن يطهروها من رجسهم، ويعيدوها إلى أصحابها المؤمنين، مشيدا بجهود الهاشميين في الرعاية لهذا المسجد المبارك، فقد بذلوا الغالي والنفيس في رعايته والإنفاق عليه.
ونقل أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية الشريعة في جامعة اليرموك الدكتور عماد الشريفين، الخطاب في شأن الاسراء والمعراج الى صعيد عميق، موضحا:”نحن إذ نؤمن إيمانًا مطلقًا ويقينيًا برحلة الإسراء والمعراج – بما ثبت في القرآن الكريم والسنة الشريفة- بالروح والجسد للنبي صلى عليه وسلم، مبينا أن الإسراء والمعراج وقعا للرسول صلى الله عليه وسلم بشخصيته في طور بلغت فيه الروح قمة الإشراق، وتخلص الجسد من أغلب القوانين المادية التي تحكمه كما يقول الشيخ الغزالي، كيف لا وهي المعجزة التي جاءت لتواسي النبي صلى الله عليه وسلم بعدما تعرّض لآلام الجسد والروح، فحادثة الإسراء والمعراج تكريم إلهي للرسول صلى الله عليه وسلم وتجديدًا لعزيمته وثباته لإنجاز مهمته في رسوخ تام”.
ولفت إلى أنه من الملامح والإشراقات في رحلة الإسراء والمعراج، بيان أن الإسلام دين الفطرة، فقد شرب صلى الله عليه وسلم اللبن وأعرض عن الخمر، فكل أمر خارج عن الفطرة لا يمكن أن يكون الإسلام شرعه أو أقرَّه، فالعقيدة والأحكام والأخلاق التي جاء بها الإسلام تنسجم مع الفطرة انسجامًا تامًا.
ومن إشراقات الإسراء والمعراج، بيان مكانة الصداقة الحقيقية، بنموذج أبي بكر الصديق وأن الصديق لا يخون صديقه ولا يظلمه ولا يخذله، هو معه على طريق الحق والخير ينصره ويؤازره في غير مظلمة، وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكر: (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت في أول الأمر، وقال أبو بكر صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فما أوذي بعدها))، رواه البخاري (3661) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، بحسب الشريفين.
أستاذة الحديث الشريف وعلومه في كلية الشريعة في جامعة آل البيت الدكتورة خلود محمد الحسبان، قالت : لعلّ ما يستوقف المرء أن حادثة الإسراء والمعراج حدثت في الفترة المكية وليست في الفترة المدنية، لأنها تحمل في طياتها دلائل عظيمة، ومن هذه الدلائل أنها جاءت جبرا لخاطر النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الفترة المكية كانت فترة فيها من الشدة والمعاناة والصعاب والمشاق.
وفي هذا السياق، أكدت ان حادثة الإسراء والمعراج لم تحصل في المرحلة المدنية، لأنها مرحلة كلها نجاحات لا تحتاج إلى المؤانسة التي احتاجها في الفترة المكية، فالمرحلة المدنية مرحلة انطلاقة واكتمال الدعوة الإسلامية وسيادتها وانتشارها وتمددها إلى خارج المدينة، فكانت مرحلة الحصاد بعد الزرع، ومرحلة القوة والمنعة والسعة والتمكين، ولذا فحادثة الإسراء والمعراج جاءت تكريما للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من كونها شهادة على اكتمال الدين وانتشاره، بحسب الحسبان.