ماجد الخواجا يكتب: فكرة التحالف مع الشيطان

{title}
نبأ الأردن -

بداية الاستهلال قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ ( فاطر: 6).
الشيطان هو الكائن الذي ابتدأت به صورة الشر مع أبي البشرية آدم عليه السلام، الشيطان فرد من العالم الذي يسميه القرآن الكريم (الجن) والتسمية كانت موجودة قبل الإسلام لدى العرب. وعالم الجن يُفهم بإزاء عالمين آخرين هما (الملائكة) و( الإنس) هذه العوالم الثلاثة يجمعها أنها مخلوقة لله تعالى.
تنطلق فكرة التحالف مع الشيطان من عمق الفلسفة البراغماتية النفعية التي وضع أسسها ميكيافيلي عندما أعلن جملته الشهيرة " الغاية تبرر الواسطة أو الوسيلة " والذريعة التي تستخدم عادة لتبرير هذه المقولة تتمثل في المصلحة العليا للدولة أو ما تدعى بالمصلحة العامة.. فيما الحقيقة كما دلت كثيرا من الشواهد أن المصلحة الحقيقية تكمن في الحفاظ على كرسي السلطة مهما كان الثمن .
ويعتمد مفهوم الشيطان على ما يتبناه قائل المقولة، وهو في الغالب يكون على هيئة المعارض السياسي أو الدولة القوية ذات الحكم السلطوي القاسي، او التعبير المجازي للشيطان ذاته.
هذه الجملة التي يفتخر قائلها بذريعة تحقيق شيء أو مصلحة سامية، هي ذاتها من يطلقها أحدهم كاتهام وإدانة لطرف ما.
تاريخيا :
أول من تحالف مع الشيطان حسب المرويات التاريخية هو النمرود : نمرود ابن الملك كوش والملك كوش هو الابن الأكبر ل حام ابن سيدنا نوح وأخ (مصرايم) أبو المصريين وأخ كنعان وذكر إسمه في سفر التكوين. وهو نبوخذ نصر كما ورد في سفر التكوين. وهو أول ساحر في التاريخ وأول من تحالف مع الشيطان وأول من وضع التاج على رأسه وهو أحد الملوك الأربعه المذكورون في القرآن وهو أول من ادعى الألوهية. وهو أول لقاء يحدث على الأرض بين إبليس وإنسان بعد معجزة الطوفان الشهيرة لسيدنا نوح وبعد هذا اللقاء تعلم النمرود السحر من ابليس واصبح نمرود يعتقد ان ابليس اصبح احد جنوده ولكن في الحقيقة ان العكس كان صحيحا .
وسمي النمرود لأنه تمرد على الشيطان حليفه ومعلمه كما أنه تمرد على أبيه وقتله لكي يستولي على الحكم وعرش بابل وأسمه الحقيقي زاهاك وتعلم النمرود السحر من الشيطان وعلمه لأتباعه فانتشر في عصره السحر والشعوذه.
ولد النمرود في حضارة بابل بالعراق في العام 2500 قبل الميلاد وكان حاكما ظالما مستبدا، وكانت زوجته تدعي سميراميس. وأرسل الله في عهد النمرود نبي الله ابراهيم عليه السلام ليهدي الناس وينجدهم من حكم النمرود حيث أن النمرود كان يأمر الناس بعبادته. وقد أمر النمرود بجمع مئات الآلاف من الرجال وقرر بناء برج يصل للسماء فكان هذا أول عجيبة من عجائب الدنيا السبع وهو برج بابل الشهير ويذكر بعض المؤرخين أن كلمة بابل كانت تعنى ( بوابة السماء ) والبعض الآخر أنكر هذا التفسير.
قصة ابتداع المصطلح ليتضح المعنى في أصله. «الاتفاق أو التحالف مع الشيطان» هو عنوان لأسطورة شعبية ألمانية محورها الدكتور يوهان جورج فاوست ( 1480-1540)، الذي كان خيميائياً لامعاً ومنجماً فلكياً وساحراً في عصر النهضة. بلغت الأسطورة أوج شهرتها في بدايات القرن السابع عشر فتناولتها أعمال أدبية وفنية كثيرة لعلّ أشهرها ما أبدعه الأديب الألماني غوته، الذي جعل من كتابه «دراما فاوست» أثراً أساسياً في إنتاجه، فتوسع بالأسطورة وأغناها بما أسبغه عليها من أبعاد فلسفية وإنسانية وما أشاع فيها من تأملات عميقة بالحياة. تقول الأسطورة بأن الدكتور فاوست كان متعطشاً للذة والمزيد من العلم، وفي سبيل بلوغه ما يتمناه باع نفسه للشيطان الذي يسّر له، مقابل هذا الارتهان، كل أنواع الملذات والمسرات بالفعل الحرام، ودربه على العلوم السحرية وأتاح له الاتيان بالمعجزات ليستمتع بكل ذلك فيذهب إلى الجحيم عقاباً له على خطاياه التي لا يمكن غفرانها. في كثير من المواقف يجري استخدام مصطلح «التحالف مع الشيطان» لإدانة شخص ما أو جماعة معينة نظراً لانتهاك المقدسات أو ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية أو خيانة الوطن. كما أنه يستعمل كمصطلح مجازي على ألسنة بعض الساسة في العالم العربي، لتبرير تحالفهم مع قوى أجنبية ضد أوطانهم. فمن فعل التحالف مع الشيطان في تاريخنا البعيد في القرن الثالث عشر الميلادي ما أقدم عليه مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي، الذي خان الخليفة المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين في بغداد بعد أن كان وزيره لمدة 14 عاماً، فمالأ المغول ولهذا قتل الخليفة ولم يُصب ابن العلقمي بسوء كما تُركت داره آمنة ولم تُهدم مثلما هُدمت بقية الدور والجوامع، وقبِل أن يكون وزيراً لهولاكو بعد أن قتل هولاكو المغولي الخليفة العباسي فقضى على الخلافة العباسية وخرب بغداد.
التاريخ يعيد نفسه:
استنجد الحكام الزيانيون بالإسبان وتحالف المماليك معهم أيضا ضد الدولة العثمانية وكذلك فعلت الدولة الصفوية التي تحالفت مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
" أنا مستعد للتحالف مع الشيطان في سبيل الظفر بـ"هتلر " بهذا المنطق برر ونستون تشرشل تحالفه مع جوزيف ستالين قائد الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب العالمية الثانية وهو الذي كان دائما يقارن بين هتلر وستالين ويحذر منهما، لكنه منطق التوازنات والرؤية المستقبلية فهو يعلم بأن تحالفه مع الشيطان اليوم فيه إنقاذ لبلاده من التهديد الألماني وأنه إذا انتهى منه سيتفرغ هو وحلفاؤه للشيطان.
رغم أن تشرشل كان مهندس انتصار بريطانيا في الحرب العالمية الثانية إلا أنه خسر انتخابات 1945 لعدة أسباب، لم يستدع تشرشل الشيطان لإخضاع شعبه ولم يستدع حلفاءه لقمعهم عسكريا ولم يبرم اتفاقيات لبيع البلاد بل تفرغ للكتابة والرسم وشؤونه الخاصة فترة من الزمن.
استخدم العبارة نفسها الرئيس حسني مبارك للدفاع عن سياساته وتحالفاته.
والرئيس الأذربيجاني حيدر علييف استعمل العبارة بذريعة الدفاع عن بلاده المستقلة حديثا عن الإتحاد السوفييتي آنذاك.
وقالها السيد فيصل الفايز حين كان رئيسا للوزراء في الأردن في أعقاب توقيع اتفاقيات التجارة الحرة عندما قال: أتعامل مع الشيطان من أجل مصلحة الأردن.
والفنانة السورية رغدة قالت إنها مستعدة للتحالف مع الشيطان وأي حاكم عربي ديكتاتور يقف في مواجهة حلف الناتو وإسرائيل والولايات المتحدة.
لقد تغير الحكام والهدف واحد هو ضمان البقاء على الكرسي مهما كان الثمن ولو كان على جماجم الشعوب وبحور من الدماء وهو ما يجعلنا نفرق بين من يتحالف مع الشيطان لإنقاذ شعبه، ومن يتحالف مع الشيطان لإخضاع شعبه. ولا يعني أن أي تحالف مع الشيطان سيأتي بخير لمن تحالف معه.
وأظن أن الشيطان، شخصيًا، لو وضعوا أمامه هذه المسوّغات التي تناقض نفسها، لما استطاع أن يفهم هذا المنطق أو يستوعبه، أغلب الظن أنه سوف يقهقه على نحو صاخب، ثم ينتحر.
إذا كان المتحالف مع الشيطان يريد تحقيق أمر ما ويعرف لماذا يتحالف معه، ألم يسأل نفسه: لماذا يتحالف الشيطان معه؟ وماذا يريد منه؟ وللاختصار نسأل الذين هلّلوا وكبّروا للتحالف مع الشيطان: هل سألوا أنفسهم، هل تحالف الشيطان معهم من أجل الصدق والحق والمبادئ الإنسانية النبيلة؟ وإذا كان الأمر كذلك لمَ لا يتحالف مع غيرهم ممن لهم نفس الحق والمعاناة لأكثر منذ 70 عاما؟ ألم يسأل هؤلاء المدافعون عن الشيطان أنفسهم: ما ثمن تحالف الشيطان معهم؟ إنني لا أعتقد بوجود أي تحالف، فالتحالف غالباً ما يكون بين متساويين أو ندّين متقاربين أما ما قام به الشيطان معهم فهو باختصار رفع لافتة عن نفسه مكتوب عليها للإيجار « مادي- معنوي » «خدمات خاصة» الدفع مؤجل. وهكذا انخدع بعضهم وفرحوا ولكن -للأسف- يوم يأتي يوم الدفع سيكون البكاء والندم والخسارة.
قال عز من قائل في سورة الحشر الآية رقم (15) : " كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم . كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين"


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير