د.منذر الحوارات يكتب : الولايات المتحدة وإيران والحرب التي لم تقع
اربع عقود مشحونة بالتوتر بين الولايات المتحدة وإيران خُيل لكل متابع أن الحرب كانت علي وشك الحدوث لكنها لم تحدث، مما دفع الكثيرين للاعتقاد بأنهما أعداء في الظاهر واصدقاء في الباطن، فهل هذه المقولة صحيحة ؟ ولماذا لم تشن الولايات المتحدة الحرب على إيران رغم التصعيد الدائم بين البلدين، في رحلة الاجابة لا بد من المرورعلى التاريخ ولو قليلاً، فالمخيال الشعبي الايراني مشحون بالغضب من امريكا منذ محاولة إسقاط حكم مصدق في العام ١٩٥٣ وبعد الثورة الخمينية أصبح العداء عقيدة راسخة، وكذلك امريكا منذ احتجاز الرهائن في السفارة الامريكية، رغم ذلك فإيران استطاعت أن تتوارى أثناء صعودها خلف احداث عالمية وإقليمية شغلت الولايات المتحدة عنها، ففي البدء كانت الحرب الباردة، تٌليت بغزو صدام حسين للكويت عام ١٩٩٠ والحرب عليه، وأحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وما تلاها من غزو افغانستان وبعدها العراق وإسقاط النظام هناك عام ٢٠٠٣، وبعد الغرق الأمريكي في المستنقع الذي كانت إيران تغذية بحلفائها بالاضافة للحرب على داعش، أنقذ القدر إيران بمجيء باراك أوباما والذي أراد تحسين العلاقات مع العالم الاسلامي فكانت إيران المستفيد الأكبر، فتوسعت إقليماً في دول عديدة، وطورت برنامجها النووي وحصلت على اعتراف أمريكي به بعد توقيع الاتفاق النووي عام ٢٠١٥، صحيح ان ترامب نسف كل ذلك لكن بعد فوات الأوان .
ومع ذلك ورغم قناعة امريكا بالخطر الايراني فقد كانت دائماً مكبلة اليدين بحدث دولي اكبر يمنعها من التدخل العسكري، لكن هل هذا هو السبب الوحيد؟ فإيران هددت الملاحة في مضيق هرمز، ودمرت عدداً من السفن، وأسقطت طائرة امريكية بدون طيار، وضربت القواعد والجنود الامريكان في العراق، وأعتدت من خلال مليشيات الحوثي على أهم حليف لأمريكا بعد اسرائيل المملكة العربية السعودية، بصواريخ طالت اكبر مجمع نفطي في العالم أرامكو، وهي تطور برنامجها النووي وتجاهر بذلك وهي تسيطر على أربع دول عربية، وغير ذلك الكثير ومع ذلك لا تطالها يد الولايات المتحدة ، فعشر دقائق فصلت ترامب من توجيه ضربة عسكرية لها .
ربما يكمن بعض السر في أن إيران كانت تختار اهدافهاً رخوة دوماً بحيث تمكن الولايات المتحدة من ابتلاع كبريائها، ورغم ان ايران ليست دولة عظمى لكنها قادرة على زعزعة الأمن العالمي في لحظة، فابمكانها تهديد حركة الملاحة في مضيق هرمز، وباب المندب وبالتالي قناة السويس، مما يهدد التجارة العالمية على صعيد الطاقة والبضائع، وبامكانها ايضاً إشعال أربع حروب في نفس الوقت دون أن تتورط بشكل مباشر بواسطة أذرعها الممتدة، وهذه الحروب هي لبنان اسرائيل، وسوريا وإسرائيل، والعراق وأمريكا، واليمن ودول الخليج وهذه الأخيرة مندلعة فعلاً، إضافة الى غياب الاجماع الدولي على حرب ايران، عدا عن أن الرأي العام الأمريكي معارض تماماً للحرب، وساهم في هذه المعارضة التيار الانعزالي زمن ترامب، كل تلك المعطيات تجعل امكانية اندلاع حرب أمريكية على إيران بعيدة المنال، اللهم إلا إذا قامت إيران بعمل خطير كإغلاق المضائق مما يُمكن الولايات المتحدة من حشد دعم دولي لمحاربتها، وإيران التي تجيد لعبة الدجاجة وكذلك لعبة الوصول الى حافة الهاوية أذكى بكثير من أن ترتكب هكذا خطيئة، بسبب ذلك كلة لم تقم الحرب وربما لن تقوم، ليس بسبب مؤامرة بين البلدين بل لكل تلك الاسباب.