وائل منسي يكتب : هل نحن مستعدون لتشكيل تيار ديمقراطي اجتماعي في الأردن ؟
أعتقد من المبكر الحديث عن تيار ديمقراطي اجتماعي حقيقي قادر في الوقت الحالي التأثير في المجتمع. لكنه ممكن وبقوة في المستقبل القريب.
ورغم وجود حزب تأسس حديثا نسبيا في العام ٢٠١٦، ويحمل الإسم نفسه واتشرف بالانتماء إليه، ولديه برنامج طموح ومنافستو واستراتيجية لكنها تحتاج لكثير من الجهد للبناء والتطوير والتطبيق، ولديه مقومات ومؤهلات تستطيع إستقطاب الشباب والنساء بشكل أكبر وأسرع من غيره من الأحزاب - بإستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي، وبشكل معقول حزب زمزم.
فلديه جناحان للشباب(شدا - شباب ديمقراطياجتماعي) وللمرأة(ندا - نساء ديمقراطيات إجتماعيات)،
لكن يحتاج الحزب بجناحيه إلى تطوير بنيته وتحديث أدواته في الإستقطاب الشبابي في الجامعات وغيرها والتوجه نحو العمل الجماعي المؤسسي، وهناك محاولات جادة على هذا الصعيد، وهذا ينطبق على أحزاب الإتجاهات الرئيسية القائمة الآن أو القادمة، وذلك تماهيا مع قانون الأحزاب الذي أقرته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
ويحتاج ظهور هذا التيار لمقومات موضوعية، منها تشخيص الحالة والقدرات الحالية وإمكانية تطويرها وتعظيمها وتجسير الفجوة بين بنية المجتمع الفتية والبنية التقليدية والحلول الممكنة والعمل برؤيا واضحة المعالم واستراتيجية متوسطة المدى قابلة للتنفيذ.
ويحتاج إلى توسيع فرجار الإستقطاب ليشمل جميع المحافظات وإشراك جميع أطيافه وألوانه.
ويحتاج أيضا إلى برنامج إجتماعي يلامس القضايا الإجتماعية والاقتصادية الحقيقية الآنية والمستقبلية التي يعاني منها الناس ومحدد المعالم وليس مبادئ أو إطار عام فضفاض.
ويحتاج هذا البرنامج إلى شخصيات - مطعمة بقيادات شبابية ونسائية مؤهلة وقادرة على حمله والدفاع عنه وطرحه بقوة في المجتمع، وفي الانتخابات القادمة أكانت بلدية أو برلمانية.
وأخيرا وليس آخرا يحتاج إلى إرادة جماعية والابتعاد عن الفردية والأنا العالية، والتي ستذوب مع العمل الجماعي المؤسسي.
طبعا قبل ذلك يحتاج هذا الزخم إلى دعم مالي مبدئي، وهو التحدي الأكبر.
فمن أساسيات الديمقراطية الاجتماعية واهتماماتها بالدرجة الأولى التعليم والصحة والتأمينات الإجتماعية والبنية التحتية (ومنها التكنولوجيا الحديثة والذكاء الإصطناعي) والنقل، وتحويل هذه المبادئ الى برامج واقعية، ويجب التوجه لإصلاح هذه المنظومة مباشرة، بعد تمهيد الطريق لإصلاح سياسي واضح وخارطة طريق نحو مجالس نيابية حزبية برامجية وحكومات برلمانية لديها برامج حقيقية تلامس حاجات المجتمع والوطن.
ومثال لإتجاه الحكومات المتعاقبة للفشل في المنظومة التعليمية فإليكم المثال التالي:
خسرت الجامعات الأردنية في السنوات الخمس الأخيرة ثلاثة آلاف باحث وأكاديمي، يحملون شهادة الدكتوراه ولديهم خبرات جيدة، نتيجة عوامل طاردة لهم من الوضع الإقتصادي وضعف الهيكلية الأكاديمية، مما يعد مؤشرا خطيراً في اتجاه تدني مستوى التعليم وبالتالي إنهيار المنظومة التعليمية الجامعية.
فهذه تحتاج إلى برنامج واضح المعالم وخارطة طريق.
وبالنسبة لتحسين منظومة النقل والبنية التحتية، فرغم التطور والتحسن البطيء لهذه المنظومة، لكنها ليست مثالية كما يجب، ويتوجب شمولها كافة مناطق ومحافظات المملكة بمنظومة ضمن المعايير المعمول في دول حوالينا.
وكبرنامج للتيار الديمقراطي الإجتماعي أيضا الإصلاح الإقتصادي والذي يعاني من تشوهات وعجز هيكلي مزمن، و يبدأ من الإصلاح الضريبي، ففي كل دول العالم، ثمة فلسفة من قانون ضريبة الدخل، أساسها تحقيق العدالة ومحاولة إعادة توزيع مكتسبات التنمية.
ويجب إعادة النظر في منظومة ضريبة الدخل والمبيعات لتكون أكثر عدالة، وتطبيق مبدأ الضريبة التصاعدية على المداخيل والأرباح.
وايضا الاستفادة القصوى من الثورة الرقمية، ويجب على تيار الديمقراطية الإجتماعية الإسراع في تبني الحلول الرقمية وهذا قد يساعد على تحقيق زيادة هائلة في إمكانية النمو والتنمية وإتاحة فرص اقتصادية جديدة.
ويمكن تبني الثورة الرقمية أن تؤدي أيضاً إلى تحوُّل جوهري في القطاع العام، من حيث الشفافية والنزاهة، وتقليل هدر
ويساهم هذا بنمو القطاع الخاص بحيث يصبح هو المشغل الأكبر للأيدي العاملة وبالتالي تعود الطبقة الوسطى إلى دورها الريادي.
ويتطلب تقوية أنظمة التعليم والرعاية الصحية أكثر من مجرد توفير الموارد المالية على نحو يتسم بالكفاءة ويحظى بالأولوية. على سبيل المثال، من الأهمية بمكان تهيئة حوافز للمعلمين ومقدمي الرعاية الصحية -من المؤسسات العامة أو الخاصة- عن الاحتياجات التي يستحقها المجتمع.
ومن الأهمية بمكان أيضا إيجاد حلول قابلة للتطبيق على نطاق واسع لتيسير الرعاية الصحية، وتحسين جودة خدمات التعليم.
لكي يستطيع الأردن بدء عملية نمو وتنمية حقيقية وتحول اقتصادي اجتماعي؟