يحيى الحموري يكتب:حين يتحوّل الحقد إلى افتتاحية
نبأ الأردن -
في افتتاحية جريدة الحقيقة العراقية حملت توقيع المدعو فالح حسون الدراجي، شاهدنا انفجارًا لغويًا مشبعًا بالحقد، كُتب من خارج العقل ومن خارج الأخلاق ومن خارج معنى الصحافة. مرثية للعقل، كتبها صاحبها بمداد الشماتة وبنبرة الحقد، وهذه الافتتاحية لا تُسيء للأردن بقدر ما تُهين العراق نفسه.
ليس كل من حمل قلمًا صار كاتبًا،
ولا كل من تصدّر صحيفة امتلك شرعية الكلام باسم الشعوب.
فبعض النصوص لا تُكتب بالحبر، بل بالغلّ،ولا تُقرأ بالعقل، بل تُشمّ كرائحة عفنٍ قديم.
ما قرأناه كان نوبة كراهية؛وتشفيًا فجًّا؛ وطعنة في معنى الوطن ذاته.
الكاتب لم يكتفِ بالشماتة،بل حاول أن يمنحها بُعدًا أخلاقيًا،ثم ارتكب الخطيئة الكبرى حين استدعى الله شاهد زور، وزعم أن الفقر علامة غضب إلهي، وأن قلة الموارد لعنة سماوية.
وهنا لا نتحدث عن جهل سياسي،
بل عن سقوط معرفي وأخلاقي،لأن من يرى في الغنى دليل اصطفاء،
يرى في القيم سلعة،وفي الإيمان أداة انتقام.
لو كان النفط مقياس الكرامة،لصار القاع قمة،ولو كان الفقر دليل لعنة،
لسقط الأنبياء أولًا من سجل الطهارة.
أما الأردن،
فلم يكن يومًا دولة خيرات،لكنه كان — وسيبقى — دولة كرامات.
لم يرفع سكين الطائفية،ولم يحوّل المدرجات إلى مذابح لغوية،ولم يجعل من الهزيمة الرياضية مناسبة لتصفية أحقاد نفسية مؤجلة.
والأكثر فجاجة،، ذلك الادعاء السخيف بالحديث باسم العراقيين.
أي عراقي؟
العراقي الذي عرف معنى المقابر الجماعية؟
العراقي الذي عاش الحصار والجوع والانكسار؟
هذا العراقي أشرف من الشماتة،
وأكبر من أن يرقص على خسارة غيره في مباراة.
العراق الحقيقي لا يُمثّله هذا النص،
بل يخجل منه.
ثم يأتي التعميم الأعمى على شعبٍ كامل بسبب هتاف مدرج،وكأن الخطأ الفردي صار دستورًا،وكأن الانحطاط يُعالَج بتعميمه.
وأما الزجّ بالفلسطينيين في مستنقع الكراهية،فليس حماقة عابرة،بل كشف نيةٍ مريضةلا تكتمل نشوتها إلا بتوسيع دائرة الشتم،ولا تهدأ إلا حين تحرق كل ما حولها.
أما "النشامى”،فليسوا لقبًا تمنحه افتتاحية مسمومة،ولا صفة تُسحب بثورة حقد.
"النشامى" لا تُقاس بالكؤوس،بل بالوقوف عند الشدائد،ولا تُختبر في فوز أو خسارة،بل في أخلاق الخلاف.
الخسارة الكروية تمرّ،والنصر يمرّ،
لكن النص الساقط يبقى شاهد إدانة،
على لحظة اختار فيها كاتبه أن يهزم المعنى،ويغتال العقل،ويعرّي نفسه أمام الملأ.
هذا ليس مقالًا،بل وثيقة كراهية وفضيحة فكرية مكتملة الأركان.
والأردن،دولةً وشعبًا،أكبر من أن تهزّه شماتة،وأقوى من أن تنال منه افتتاحية،وأرسخ من أن يُختزل في حقد كاتبٍ لم يجد ما يرفعه، فحاول أن يُسقط غيره.
يحيى الحموري

























