م.صلاح طه عبيدات يكتب: يجب تحديد المسؤولية القانونية ومحاكمة المقصرين

{title}
نبأ الأردن -
شهدت المملكة الأردنية الهاشمية مؤخرًا حوادث وفاة مؤلمة نتيجة الاختناق بغاز أول أكسيد الكربون، ارتبطت باستخدام نوع من مدافئ الغاز المتداولة في السوق المحلي والمعروفة شعبيًا باسم «الشموسة». هذه الحوادث، بما حملته من خسائر بشرية جسيمة، لم تعد مجرد وقائع عابرة، بل تستوجب نقاشًا مسؤولًا حول منظومة السلامة العامة، وإجراءات تقييم المطابقة، وسلسلة الرقابة التي يفترض أن تسبق السماح بتداول أي منتج عالي الخطورة.

من المعروف فنيًا أن هذا النوع من المدافئ يُصنف ضمن الأجهزة ذات المخاطر المرتفعة، لكونه يعتمد على الاحتراق داخل الحيز السكني، وما يترتب على ذلك من احتمالية انبعاث غازات سامة في حال غياب شروط السلامة أو حدوث خلل في الاحتراق أو التهوية. ولهذا السبب، فإن التعامل مع هذه الأجهزة يخضع دوليًا لمتطلبات صارمة تتعلق بالتصميم، وأنظمة الأمان، والتحكم في الغاز، وتعليمات الاستخدام، ولا يُسمح بتداولها إلا بعد التحقق الكامل من مطابقتها لتلك المتطلبات.

وانطلاقًا من هذا الواقع، يبرز تساؤل مشروع لا يمكن تجاهله: ما هي الإجراءات التي اتُّخذت قبل إدخال هذه المدافئ إلى المملكة وتداولها في السوق المحلي؟ وهل خضعت لفحوصات فنية ومخبرية كافية للتحقق من سلامتها؟ أم أن بعض الإجراءات اقتصر على استكمال متطلبات شكلية لا تعكس الأداء الحقيقي للجهاز في ظروف الاستخدام الفعلي؟

وفي حال دخول هذه المدافئ عبر المراكز الجمركية الرسمية، فإن المسألة لا تتعلق بمسؤولية فردية بقدر ما تتعلق بمسؤولية منظومة متكاملة، تبدأ من التشريعات والتعليمات الناظمة، مرورًا بإجراءات التخليص الجمركي، ووصولًا إلى الجهات الفنية والرقابية التي تمنح الإذن بالتداول. وأي خلل في إحدى هذه الحلقات يستوجب المراجعة والتصويب، خاصة عندما تكون النتيجة فقدان أرواح.

كما أن صدور التحذيرات الرسمية بعد وقوع الحوادث، رغم أهميتها، يطرح تساؤلًا إضافيًا حول كفاية الإجراءات الوقائية المسبقة، ومدى فاعلية آليات المنع المسبق للمنتجات غير الآمنة، مقارنة بالاكتفاء بالتوعية بعد تحقق الضرر.

إن حماية المستهلك وسلامة المواطنين تقتضي أن تُعامل الأجهزة عالية الخطورة بمعايير رقابية خاصة، وأن تخضع لإجراءات تقييم مطابقة حقيقية تشمل الفحص المخبري والتحقق من أنظمة الأمان، لا الاكتفاء بالاعتماد على مستندات أو شهادات لا تعكس الواقع الفني للمنتج.

وعليه، فإن معالجة هذه القضية تتطلب مراجعة شاملة وشفافة لإجراءات تقييم المطابقة والرقابة على مدافئ الغاز، والإعلان عن نتائج أي تحقيق فني أو إداري للرأي العام، واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة لمنع تكرار هذه الحوادث، بما يعزز الثقة بالمنظومة الرقابية ويحفظ سلامة المواطنين.

فالسلامة العامة ليست خيارًا، بل التزام قانوني وأخلاقي، وأي تقصير في هذا المجال يستوجب المعالجة ضمن الأطر المؤسسية، وبمنهج وقائي يسبق وقوع الكارثة، لا يكتفي بالتعامل مع نتائجها.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير