أ.د.حسن الدعجه يكتب: العلاقات الأردنية-الصينية: شراكة استراتيجية راسخة وآفاق واعدة نحو المستقبل

{title}
نبأ الأردن -
في ظل التحولات الدولية المتسارعة، تبرز العلاقات الأردنية-الصينية نموذجًا متميزًا لعلاقات ثنائية راسخة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والرؤية المستقبلية. وقد تشكّل زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى الأردن غدا فرصة مهمة لتعزيز العلاقات الثنائية وتكثيف التنسيق السياسي والاقتصادي، بما يعكس تطور هذه العلاقات إلى شراكة استراتيجية تسعى قيادتا البلدين من خلالها إلى توسيع آفاق التعاون وخدمة مصالح الشعبين الصديقين.

أكد جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة أن الأردن والصين يرتبطان بعلاقات قوية ومتينة، مشددًا على أهمية استمرار التنسيق والتشاور بين البلدين حيال القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية، وتطوير علاقات التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والسياحية والتنموية والتعليمية والثقافية. ويعكس هذا الموقف السياسي الثابت عمق الثقة المتبادلة والتقارب في الرؤى تجاه العديد من قضايا المنطقة والعالم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والسلام في الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب الذي يهدد أمن المنطقة والعالم.

على الصعيد الاقتصادي، شهد التبادل التجاري بين الأردن والصين نموًا لافتًا، حيث وصل إلى نحو 5.37 مليار دولار، ما يجعل الصين من أبرز الشركاء التجاريين للأردن. ويشمل هذا التعاون مجالات متعددة مثل الطاقة، والبنية التحتية، والصناعة، والاتصالات، والاستثمار. كما أسهمت الاستثمارات الصينية في دعم مشاريع تنموية داخل المملكة، بما ينسجم مع أولويات الأردن في تحقيق التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل.

وتكتسب العلاقات الأردنية-الصينية أهمية إضافية في إطار مبادرة "الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ، والتي تهدف إلى إحياء طريق الحرير التاريخي بريًا وبحريًا. ويحتل الأردن موقعًا استراتيجيًا مهمًا في هذه المبادرة، كونه نقطة ارتكاز تربط بين المشرق والمغرب، وبين الشمال والجنوب، ما يعزز دوره كمحور لوجستي وتجاري في المنطقة. ومن هذا المنطلق، جاء توقيع مذكرة التفاهم حول البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق” في عمان بتاريخ 29 تشرين الثاني 2023، بين الحكومتين الأردنية والصينية، ممثلة بسعادة السفير الصيني لدى الأردن السيد تشن تشوان دونغ، ومعالي وزيرة التخطيط والتعاون الدولي السيدة زينة طوقان، ليؤكد التزام البلدين بتعميق التعاون الاقتصادي والتنموي وفتح آفاق أوسع للشراكة المستقبلية.

ولا يقتصر التعاون بين الأردن والصين على الجوانب السياسية والاقتصادية فحسب، بل يمتد ليشمل التبادل الثقافي والتعليمي، الذي يشكل ركيزة أساسية لتعزيز التفاهم بين الشعبين. وفي هذا السياق، يبرز الاهتمام المتزايد بتدريس اللغة الصينية في مدارس المملكة الأردنية الهاشمية، باعتبارها إحدى ثمار العلاقات المتنامية بين البلدين. فقد بدأت اللغة الصينية تجد طريقها إلى النظام التعليمي الأردني، سواء من خلال المدارس الحكومية أو الخاصة، إضافة إلى الجامعات والمعاهد، وذلك استجابة لتزايد الحاجة إلى كوادر تتقن اللغة الصينية وتفهم الثقافة الصينية، في ظل توسع العلاقات الاقتصادية والسياحية والاستثمارية.

ويمثل إدخال اللغة الصينية في المدارس خطوة استراتيجية مهمة، تسهم في إعداد جيل أردني قادر على التواصل مع واحدة من أكبر الحضارات والاقتصادات في العالم. كما يفتح تعلم اللغة الصينية آفاقًا جديدة أمام الطلبة الأردنيين، سواء على صعيد فرص الدراسة والمنح الجامعية في الصين، أو فرص العمل المستقبلية في الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع السوق الصيني. وإلى جانب البعد العملي، يسهم تعليم اللغة الصينية في تعزيز التبادل الثقافي، وترسيخ قيم الانفتاح والتعددية، وفهم الآخر من منظور حضاري وإنساني.

إن العلاقات الأردنية-الصينية، بما تحمله من عمق تاريخي وتفاهم سياسي وتكامل اقتصادي وتبادل ثقافي، تتطلع بثقة إلى آفاق أوسع وأكثر رحابة في المستقبل، ولا سيما في ظل عالم يشهد تغيرًا متسارعًا في موازين القوى وبروز نظام دولي متعدد الأقطاب تشكل فيه الصين الحجر الاساس . وتشكل متانة العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين أساسًا صلبًا لتعزيز التعاون في مجالات الاستثمار، والطاقة، والبنية التحتية، والتنمية المستدامة، بما يخدم المصالح المشتركة. كما ينسجم هذا التعاون مع الدور المتنامي للصين كقوة عظمى تسعى إلى تعزيز الأمن والسلام الدوليين، وترسيخ مبادئ الحوكمة الدولية العادلة، ودعم التنمية الشاملة لجميع شعوب العالم، الأمر الذي يفتح أمام الأردن والصين فرصًا أوسع لشراكة استراتيجية فاعلة ومستدامة.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير